رمضان في السلط زمان.. شهر يعج بالخيرات والتواصل الاجتماعي


يستذكر كثيرون من كبار السن من ابناء محافظة البلقاء ومدينة السلط الاجواء الرمضانية التي كانوا يعيشونها وتشكل طقوسا رمضانية تضفي على الشهر الفضيل المزيد من البهجة والاصطهاج ، ويتمنون ان تعود ولكن هيهات للماضي ان يعود في ظل المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وما رافقها من قيم استهلاكية وانماط سلوكية هي اقرب للمجتمعات الغربية منها للمجتمع العربي والاسلامي القائم على التواصل والتواد.

حلاوة

يقول الحاج ابو احمد العمايرة كنا ننتظر قدوم شهر رمضان بفارغ الصبر لما له من حلاوة ورونق ، كان الناس اقرب الى البساطة منهم الى تعقيدات اليوم حيث كانت الاسرة تعد صنفا واحدا من الطعام ويتم رش "الحوش" بالماء بعد صلاة العصر مباشرة وعندما يحين موعد الافطار يجلس جميع افرد الاسرة على الارض متحلقين حول الطبق المصنوع من القش يعلوه "سدر المقلوبة بالباذنجان او مع الزهرة البلدية باللحم البلدي" والى جانبه صحن واحد وكبير من البندورة ، وكانت القطائف المصنوعة منزليا هي الحلوى الوحيدة الاكثر شهرة عند الاهالي في حين كانت بعض الاسر تقوم بشراء القطائف من محلات الحلويات في شارع الحمام وهو الشارع الوحيد الذي كان مشهورا ببيع هذه الحلوى ، وكانت تحشى اما بالعجوة او جوز الهند ونادرا ماكانت تحشى بالجبن او جوز القلب. 

ويضيف العمايرة: من الاكلات الاخرى المتعارف عليها في رمضان المجدرة بالجريشة "القمح المجروش"المضاف اليه العدس والبصل المقلي وكل المواد الداخلة في الوجبات الغذائية ، تكون هي من انتاج الاسرة لكون غالبية الاسر تعيش على الزراعة ويظل المنسف هو سيد الموائد. ومن الاطباق الرمضانية الاخرى الرشوف والكشكية والفويرة والقرناس "ارز باللبن المخيض المضاف اليه مادة النشا" ومحاشي الكوسا والباذنجان واليقطين وكل هذه الاصناف مزروعة في حاكورة المنزل.

حلويات شعبية

وكانت النساء يتفنن في تحضير الحلويات الشعبية والتي يعتبر خبز الشراك هو القاسم المشترك فيها مثل اللزاقيات وهي اقراص من خبز الشراك غير المخمر "عويص" يتم غمسه في السمن البلدي ويرش فوقه السكر او الفطيرة وهي عبارة عن قطع من خبزالشراك المقسم الى قطع صغيرة متساوية تغمس بزيت الزيتون البلدي او السمن البلقاوي المضاف اليه مادة السكر . ومن الحلويات الشعبية الاخرى والتى تقدم فقط للضيوف المهمين "الهيطلية" وهي مصنوعة من الحليب ونشاء القمح المجروش. والبحته وهي تشبه الهيطلية لكن يدخل في تصنيعها الارز وفي الحالتين لابد من غطاء من السمن البلدي يعلو سطح الاناء الذي توضع فيه. ناهيك عن العنب والتين والقطين والزبيب والذي لايخلو أي بيت منها. 

ذكريات

واذا كان الحاج العمايرة يتحسر على ايام زمان فان الحاجة فاطمة ام ابراهيم هي الاخرى تحن وتتحسر على تلك الايام التي كانت النساء والاطفال يحملون طبلية العجين وصينية القطائف الى الفرن "الفران" الوحيد في حي الخضر وطالما حدثت مشادات بين صاحب الفرن والزبائن لعدم احترامه الدور وتفضيل احد الاطفال او النساء على بعض بحجة بعد منزلهم مع ان السبب قطعا هو صلة القرابة او ان الاجرة المدفوعة له اكبر. 

وتقول ام ابراهيم ان رائحة القطائف كانت تملأ اركان الحارة وطالما قامت النساء باعطاء أي طفل تقابله حبة قطائف "ردة نفس" والاروع من ذلك ان الجيران كانوا قبل الافطار بقليل يقومون بارسال صحن كبير من "طبخة"ذلك اليوم مع عدد من حبات القطائف او صحن "حلو"لجيران الحيط ولذلك كان الجيران يعيشون حالة من التواد تعكس القيم الاسلامية الحقيقية والتي تجعلهم يعيشون حالة من التوحد في المشاعر.

مدفع رمضان

ولعل من الطريف ان نذكر ان مدفع رمضان كان المعتمد الوحيد لدى كثير من الناس لتحديد موعد الافطار وكان موقعه قرب مقبرة العيزرية وكان الاطفال من المناطق الاخرى يمكثون واقفين قبالته وقد حمل بعضهم قطعة خبز او حبة قطائف وما ان ينطلق صوت المدفع مدويا حتى يصرخون "افطروا ياصايمين على القطايف هاجمين" مع انهم بطبيعة الحال غير صائمين لصغر اعمارهم . ولذلك كان الشخص المسؤول عن اطلاق قذيفة المدفع حريصا على التوقيت واحيانا يؤخر عملية الاطلاق بعد اذان المغرب بلحظات ليطمئن الى سلامة التوقيت.

واليوم وبعد ان اصبح مدفع رمضان من مخلفات الماضي وكذلك المسحراتي الذي طالما جال كل الاحياء بصوته العذب وطبله الرنان فان رمضان اصبح مجرد شهر انقطاع عن الاكل والشرب وعن التواصل بين الناس جراء تعقيدات الحياة فغالبية الاسر التي تسكن الشقق السكنية لاتعرف بعضها وطالما كان في احداها مناسبة فرح او عزاء وسكان الشقة الاخرى اخر من يعلم عن ذلك ، ولذلك فليس مستهجنا ان يشعر جيل اليوم بالحسرة وهم يستمعون من الاباء والاجداد عن طقوس رمضان ايام زمان حين كانت الحارة كلها تتحول الى عائلة واحد ة تتقاسم لقمة الاكل وتأكل من طبق واحد وهذا درس رمضاني افتقدناه جميعا كما يقول "احمد"طالب جامعي ويتمنى ان يعودالى رمضان ايام زمان على البساطة بعيدا عن الاسراف والمظاهر الكاذبة والتركيز على قوائم الطعام التي تزين مائدة الافطار وهي ليست مكلفة فقط بل ومؤذية للمعدة والاعضاء الباطنية للجسم وفق "هيام"التي تقول ان الاسرة تمضي من ثلاث الى اربع ساعات في المطبخ قبل الافطار لاعداد الطعام والسلطات والمقبلات كما تقضي مثل ذلك في المطبخ بعد الافطار في اعمال الجلي والتنظيف ولكن لو اقتصر الامر على صنف واحد من الطعام لكان الامر افضل من النواحي الصحية والدينية والاقتصادية وهو ماتمنت "ام امجد" الالتزام به لكن افراد الاسرة عندها يرفضونه.

تعاليل

ومن بين الامور التي تجعل جيل الاباء والامهات يشعرون بالحسرة تلك التعاليل والسهرات الرمضانية التي يتجاذبون فيها الاحاديث الممتعة عن احوال الناس والموسم ويتجمعون حول صوبة الحطب او منقل الفحم اوصوبة البواري في الشتويات الرمضانية او فوق اسطح البيوت او الحيشان حين ياتي رمضان ايام الصيف ولكن الحال صار غير الحال واصبحت التلفزيونات ببرامجها "المقلعطة وسويدة الوجه" حسب ما تقول الحاجة فوزية تاخذ كل اوقات الناس وتعلم الناس قلة الحياء خاصة الشباب والبنات الذين يظلون الى ساعات الفجر "مبحلقين" فيها ناسين ان هذه المسلسلات تبعدهم عن ربهم وعن دينهم وتمنت ان تعود ايام زمان ليشعر الاولاد وبنات اليوم كم هي جميلة وحلوة .


محمود قطيشات
جريدة الدستور
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))