‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات د. سليمان عربيات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات د. سليمان عربيات. إظهار كافة الرسائل

سليمان عربيات ووجه القمر

|0 التعليقات
تعرفت الى الدكتور سليمان عربيات اواخر الثمانينات, ايام كان يكتب للرأي مقالات تجمع الى اصالة الرأي طرافة محببة, وكنت ألمس حرصه على تجويد ما يكتب وعلى معرفة اثره في الاخرين. ثم تراخى الزمان بنا فلم اره الا قبل سنوات في ورشة فكرية, وكان بيننا حديث قصير ثم مضى كل لطيته وسبح كل في فلكه, الى ان اتيح لي مؤخراً الاطلاع على كتاب سيرته الذاتية: «وجه القمر» الذي كتبه في مواجهة المرض العضال, وضمّنه من الحكمة شذرات تستوقف ذوي الالباب, فوجدتني اتأمل مستأنياً هذه الشذرات التي افرد لها الفصل العاشر من كتابه, تحت عنوان: «مائة درس من الحياة والناس», والتي تذكرنا بألوان من «الحكمة العملية» و»الاداب الاجتماعية» التي حفظها لنا تراث الامم, والتي لا يخطئ المرء فيها روح «المعلم» الذي يريد ان يستبريء لضميره فيما يقدمه للاخرين من دروس.

وعلى ان الدكتور سليمان عربيات قد شفع كل شذرة بشرح يضيء دلالاتها لقرائه, الا انها تظل قابلة للتحليق في آفاق المعاني مع كل تأمل جديد. وهي تذكرني بشذرات هيراقليطس على اختلاف في الزمان والمكان. وانا اختار جملة منها اعتقد انها تعكس طبيعة التجربة التي كابدها كاتبها الكريم..

يقول الدكتور سليمان عربيات في شذراته:
تذكر دائماً من اين اتيت. لا تتنكر لماضيك, سواء اتيت من عائلة فقيرة أو ميسورة.
وعندما تأخذ قراراً تحمل مسؤوليته كاملة ولا تلق باللوم على غيرك.

ولا تخش خصومك في العمل او في الرأي فكل مسؤول له خصوم وله انصار. لا تجعل خصومك في منأى عنك وعليك الاهتمام بما يقولون. وتأكد من اداء انصارك فأنت بحاجة الى من يقدم لك الرأي السديد وبخاصة في الازمات.

وتذكر بأن لك عائلة وان لها عليك من الواجب مثلما للعمل.

من الخطأ ان تعتقد بأنك دائماً على صواب, فالخطأ من خصائص البشر. ان دروس الحياة لا نهاية لها, ومن يعتقد غير ذلك فهو لم يبلغ درجة الحكمة. لا تزرع حلمك في ارض مزروعة بالشوك.

غادرت الاساطير والخرافات عقل الشعوب بعد نزول الاديان السماوية.

اذا كانت بعض الممارسات التربوية التقليدية خاطئة فإن بعض النظريات الحديثة خاطئة ايضاً.

لا تعتقد ان العالم لك وحدك وان جميع من حولك قد وجدوا لخدمتك.

فكر في هذا الكون اللانهائي وتقرب الى الله ما استطعت. ضعه – سبحانه – نصب عينيك في كل ما تفعل في السر أو في العلانية. لا تقف عند ما تقرأ من اجابات جاهزة لاسراره, بل احصل على الاجوبة عن طريق المنطق والعقل فإن ذلك يقوي من ايمانك ويدخلك في عالم من الراحة والسكينة. قرأت في حياتي مصطلحات عديدة مثل: خرافة التنمية, وحدود التنمية, والتنمية المفقودة, والضربة الاستباقية, وصراع الحضارات, ونهاية التاريخ, والفوضى الخلاقة, والموجات الاولى والثانية والثالثة, وهذه جميعها اطروحات الاخرين, اما نحن فليس لنا اطروحات, فما زلنا في سبات عميق..

واذ نجتزئ بهذه الشذرات عن سائرها فإننا نلاحظ اندراجها في سياقين اولهما متعلق بالادارة ومسؤولياتها, وثانيهما يتعلق بالوعي وشروطه. وهي في كل حال برهان قوي على قوة الانتباه ويقظة العقل والضمير, او – بصيغة اخرى – على عظمة الروح الانسانية في مواجهة اقدارها.

ولقد اصاب جوهر الحقيقة مقدم الكتاب الاستاذ الشاعر هاشم القضاة حين وصف هذه الدروس المائة بالقناديل التي يستضيء بها من يطلبون الخبرة والحكمة واليقين, فهي كذلك بحق. وعسى الله ان تظل مستراداً للمتوسمين وان يجزي صاحبها خير الجزاء, وان يقوي منه ومنا العزائم, أنه على كل شيء قدير.

أبراهيم العجلوني
جريدة الرأي

المعارضة و خطوطها الحمراء بقلم د. سليمان عربيات

|0 التعليقات
تنتعش المعارضة في الدول الديمقراطية أو السائرة نحو الإصلاح من أجل الديمقراطية و ما تعنيه هذه المفردة. والمعارضة قد تكون مكوناتها أحزابا سياسية أو مجموعات لها مصالح مشتركة أو أفرادا من النخب الفكرية و السياسية, و تكون المعارضة أكثر قبولا في الديمقراطيات العريقة, حيث أنها تشكل رقابة صارمة على الحكومات و خاصة إذا كانت ممثلة في السلطة التشريعية البرلمانية, التي تمكن من حفظ التوازن بين السلطات الثلاث وعدم استقواء إحداها على الأخرى. إن المعارضة قد تصبح الأكثرية في المجلس النيابي و بذلك يكون من حقها تشكيل حكومات برلمانية و تحقق بذلك ما يسمى بتداول السلطة. و في الدول الديمقراطية تكون للأقلية المعارضة حكومة “ظل” عندما نكون خارج السلطة التنفيذية. 

إننا هنا معنيون بالمعارضة في دولة ديمقراطية بمضمونها السياسي, أو السائرة نحو الإصلاح الشامل. فالعلاقة بين المعارضة و الدول الديمقراطية, غيرها عن العلاقة بين الدولة المستبدة و المعارضة, فهي في الحالة الأولى محكومة بالقوانين وبالأعراف التي يقرها الجميع. بينما هي في الحالة الثانية تخضع لآراء كل طرف في مفهومه لطبيعة الحكم, و هي حالة غير مستقرة أو متوازنة كما في جميع الأنظمة الشمولية. 

و نحن في الأردن أقرب إلى الحالة الأولى, حيث أن المعارضة السياسية ممثلة بالأحزاب الوطنية, كانت جزءا من نظام الحكم منذ قيام الدولة الأردنية, و تأسيس المجلس التشريعي الذي استطاع إسقاط أكثر من حكومة و عقد المؤتمرات الوطنية و معارضة المعاهدات. و بعد وضع أول دستور أردني و قيام المؤسسات و في مقدمتها مجلس الأمة (الأعيان و النواب), لم تتأثر المعارضة, سواء في شكلها التقليدي أو المعاصر, إلا أن بعض الأحزاب الوطنية قد حلت نفسها و قامت أحزاب و جمعيات قومية أو دينية. و هذه الأحزاب أو جلها شكلت معارضة و بعضها كان ممنوعا من العمل في العلن. و قد ازدادت قوة الأحزاب بعد النكبة الفلسطينية عام 1948م, و بلغت أوجها في الستينات من القرن الماضي و شهد العالم العربي عدة انقلابات عسكرية (ثورات) و كان مخاضها ما نشهده اليوم و ما أطلقنا عليها ثورات الربيع العربي. 

كانت الدولة الأردنية عرضة للخطر في تلك الحقبة و خاصة عندما أصبح المد الناصري و المد القومي يحتلان جبهة عريضة داخل أنظمة الحكم و الثورية. إلا أن هذا لم يمنع الأحزاب القومية من خوض الانتخابات النيابية في الأردن و إن لم تتمكن من الحصول إلا على مقاعد نيابية محدودة. و في أثناء ذلك اضطرت الدولة الأردنية الى ضرب هذه الأحزاب و استمر تحالفها مع الحركة الإسلامية التي كان بمقدورها إقامة معسكرات تدريب وحمل السلاح في مناسبات معينة و ربما كان الهدف منها, الوقوف أمام تعاظم قوة الأحزاب القومية و اليسارية. نحن اليوم نقف أمام مشهد ديمقراطي جديد, و دولة مدنية معاصرة قوامها, كما يجب, القانون و المؤسسات و في عالم بلا حدود قوامه المعرفة, لانهائي يطارد الكواكب و النجوم. وسط هذا المشهد تتفاعل مكونات المجتمع و مؤسسات الدولة في سعيها نحو الأفضل. أعود في هذا المفصل من مداخلتي للحديث حول المعارضة. و أجد من المفيد أن أسجل قناعتي و هي أن الموالاة و المعارضة تشكلان البنية التحتية لنظام الحكم و أن الموالاة لا تعني الحكومة فقط و المعارضة لا تعني من هم خارج الحكومة. إن الحكومة لا تمثل الموالاة, إلا إذا كانت حكومة برلمانية فهناك المعارضة الفوضوية التي لا تقبل بأي نوع من أنواع الحكم و هي ما أطلقت عليها المعارضة العدمية. 

دعنا لا نختلف منذ البداية, على نوع نظام الحكم, فهو كما نص عليه الدستور: نظام نيابي ملكي (وراثي). لقد حدثت تطورات جذرية إصلاحية من أجل حقوق المواطن. و هي في تسلسل: إعطاء المرأة الحق في الانتحاب و الترشح و إدماجها في الحياة العامة و عودة الحياة البرلمانية التي تعطلت بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967, و فك الارتباط القانوني و الإداري بها, بناء على طلب من الفصائل الفلسطينية و ممثلها الشرعي و الوحيد و دول الجامعة العربية, و صدور قانون للأحزاب و للانتخابات النيابية و إلغاء القوانين العرفية, وصولا إلى الإصلاح الشامل المتضمن تشكيل لجنة ملكية لتعديل الدستور و لجنة الحوار الوطني لوضع قانون للانتخابات و قانون للأحزاب. كان سقف الحرية عاليا, أثناء الحوار, توصل إلى إجماع وطني أو توافقي في حده الأدنى ومن الجدير بالذكر أن تشكيل لجنة الحوار ضم ممثلين عن جميع المعارضين, باستثناء ممثلي الأخوان المسلمين الذين قاطعوا اللجنة, و إن كان موجودا من كانوا منهم ممثلين للنقابات الذين آثروا البقاء في لجنة الحوار. 

يمكن تقسيم معارضة المشهد الحالي إلى ممثلي الأحزاب الإسلامية و في مقدمتهم الإخوان المسلمين و عدد من الأحزاب اليسارية و القومية وحركات الإصلاح التي تقودها رموز وطنية و حركات الشباب و التواصل الاجتماعي. و خارج هذه المعارضة أفراد معارضون متطرفون في أطروحاتهم. إذا قبلنا بهذا التقسيم المبسط للمعارضة, فما هي خطوطها الحمراء؟ لقد حاولت الحكومات أن تضع خطوطا حمراء للمعارضة, بناء على القانون. و من جانب آخر كان هناك تصريحات من صاحب الولاية بأن الحرية سقفها السماء. و في تصوري بأن هناك خطوطا حمراء بين السماء و القانون في بعض الظروف. إن جميع المعارضة متفقة على موالاتها للنظام و التمثيل بجلالة الملك المعظم و تقول بالإصلاح وهو ما يقود جلالته. 

و في بعض الأحيان, و خاصة بعد ثورات الربيع, حدث تطور في شعارات الحركات الإسلامية و تجاوزات للخطوط الحمراء أثناء مسيراتهم و بخاصة عند ظهور شبانهم بعصابات خضراء. وهناك معارضون أفراد, قد تجاوزوا الخطوط الحمراء, مما وضعهم في دائرة الاتهام و مخالفتهم للقوانين و تقديمهم للقضاء. أما حركات الإصلاح الوطنية, فهي متعثرة بين الرغبة الحقيقية في الإصلاح و قناعة الشارع بها و موقف الحكومة من نواياها وشعاراتها المرفوعة من أجل الإصلاح. 

إذا كانت الحكومات, راضية حتى الآن, في تعاملها مع المعارضة و اقترابها أو ابتعادها عنها إلى درجة تثير تساؤلا عن مدى فاعليه هذه السياسة, فان عليها أن لا تعتمد على رضا هذه الجماعة أو تلك الجهة و إنما عليها أن تستمع إلى نبض الشارع و جماهيره. و ما تنجزه على الصعيد الاقتصادي و السياسي في مسيرة الإصلاح. أقول هذا الكلام مع قناعتي بأن المعارضة الحقيقية لا يمكن أن ترفع شعارا غير الإصلاح.

بقلم الدكتور سليمان عربيات

السلط في العينين ... بقلم الدكتور سليمان عربيات

|1 التعليقات
د. سليمان عربيات
ذاكرة المكان و الزمان و الناس من أكثر الأشياء تأثيرا و التصاقا بالإنسان و ترافقه مثل ظله على صورة أطياف و ظلال و ذكريات تحكي علاقته الحميمة بالأماكن الدارسة أو القائمة, و الأيام الحلوة و المرة و الأهل الطيبين الذين كان يراهم كل صباح و مساء و ما يزال يعيش بينهم. هناك إحساس خفي يربطك بالأشياء المحيطة بك سواء كانت من الكائنات الحية أو الجمادات, و لكل منها لغة خاصة للتواصل مع الآخر. ان ذاكرة الأماكن و الزمان و الناس, أبعد من أن نطلق عليها نوعا من الوطنية, انها تأريخ لعلاقة الفرد بها و إحساسه بها في حله و ترحاله. لا أعرف مدينة أو أماكن بلا ذاكرة, فالذاكرة بالنسبة لها هي مثل النفس للجسد, إذا غادرته مات حالا.

لكل مدينة ذاكرة, و بخاصة إذا كانت مدينة عريقة في موقعها و تاريخها و سكانها. لست أول شخص كتب عن ذاكرة مدينته, فذاكرة المكان و الزمان فن قائم بذاته. أنا أحد الذين عشقوا وطنهم الكبير و الصغير, فكتبوا ما كتبوا عن عواصم الوطن العربي و لكن مدينتي السلط كانت دائما في الذاكرة و في العينين و في القلب. من رحم أمي خلقت و على تراب السلط ترعرعت مثل بادرة القمح و في مروجها الخضراء رافقت الفراشات في فرحها و طيرانها و على أشجار غابات البلوط نصبت أمي لي أرجوحة و هناك سمعت زقزقة العصافير تصل إلي مثل همسات الماء الرقراق. مشيت فوق دروبها الترابية و حصاها و ارتقيت جبالها و هبطت إلى وديانها, و سكنت الخيام و سهرت مع النجوم قناديل لياليها و انتظرت موسم المطر القادم مع أهلي الصابرين و مشيت وراء "الغياثات" مع أطفال القرية الى قبور الصالحين.

مدينة السلط, مثل معظم المدن الأردنية, الأماكن و الناس و التطور على محور الزمن. في الزمن الغابر أطلقوا عليها "سالتوس" أي الغابة و في الزمن الراهن:" أم الأوائل": مدرسة السلط الثانوية و مؤسسة الاعمار و الوثيقة الشعبية و هي الأم الرؤوم لأبنائها عندما جاؤوا إليها طلبا للعلم من كل مدينة أو قرية تحتضنهم في كل مساء. كان أبناؤها من جميع الأردن من خريجي مدرستها أم المدارس أوفياء لها, شدتهم إليها ذاكرة المكان و الزمان و الناس. كتبوا جزءا من ذاكرتهم في سيرهم الذاتية, أو في دفتر مطعم "العمد" اسماؤهم منحوتة مثل الرسم على صفحاته و الوشم على سواعد أبنائها.

السلط الغالية, تحمل ذاكرة جمعية, فهي مدينة المهاجرين و الأنصار و هي مثل الكرك هواها غربي و هي كنانة الجند البواسل في الجيش العربي. و من السلط و عبر واديها, مرت سرايا و كتائب الجيش العربي و فيالقه لنجدة الأهل في فلسطين. و من بين أبنائها سقط الشهداء, كما سقط شهداء من كل مدينة و قرية أردنية عندما تداعوا من عمق بواديها.

في داخلي ما زال ظل المكان حاضرا, و لا أستطيع أن أرى سواه فهو في عيني مثل صورة ثابتة معلقة على حائط الذاكرة: القلعة و سوق الحمام و سوق الدير و الجامع الكبير و كنيسة الخضر عين الدواب و عين النساء و عين الرجال التي كنت أدلف إليها مع أترابي و نستحم دون أن نخلع ملابسنا و نخرج إلى الشمس مثل العصافير المبللة لتجف أثوابنا و سوق الإسكافية و الساحة و الحسبة و سوق الحلال الأسبوعي. في ذاكرتي "السرايا" أو دار الحكومة و مقهى نويران و مكتبة البسطامي و الحلاق شنيور و عين الجادور و عين حزير و مقامات يوشع و شعيب و أيوب رضوان الله عليهم, و الكتاتيب حيث تعلمت القراءة و الكتابة و جمعت الأحرف لتشكيل كلمة أو عبارة. و في مدرسة اللاتين تلقيت جزءا من تعليمي و أبجدية حوار الأديان و في مدرسة السلط الثانوية, تلقيت بقية تعليمي الثانوي و تدرجت ثقافتي و تكويني السياسي على أيدي معلمين وطنيين أكفاء عرب و أردنيين, حيث لم تغب عن بالنا هموم وطننا الكبير و الصغير.

كنا ننطلق في الصباح إلى مدرسة السلط الثانوية عن طريق حي "الجدعة" أحيانا, فما زالت في ذاكرتي "قوارير" الريحان و الخبيزة الشامية و الياسمين المطلة بأعناقها و ألوانها الزاهية من النوافذ, و تطفئ ظمأها الحسان المحصنات من فتيات الحي.

هذا هو المكان, أما الزمان بالنسبة لي فقد امتد من منتصف القرن الماضي أو قبله بقليل حافظا ذاكرة المكان و الناس بتقاليدهم و عاداتهم و تراثهم و موروثاتهم ... تاريخ القبائل و الرجال و فروسيتهم في ذلك الزمان الجميل منذ مئات السنين. مدينة السلط "عنيدة" و مقاومة للتغيير السريع رغم أنها مؤمنة بالتقدم و لكن كان لأهلها "سجاياهم" مثل بقية الأردنيين و هي رفض الاغتراب الذي لا ينسجم مع القيم الراسخة أو مفروضا عليها فأفقدها كثيرا من ملامحها التاريخية و حتى الإنسانية.

أطلقت عليها كنايات سيدة المدن و حارسة النبع المقدس و آخر قلعة مقاومة للعولمة و هي عصية على الاختراق, إلا أنها لم تسقط و لكنها في النهاية ركبت قطار التغيير و دخلت عالم التكنولوجيا و المعرفة و رضيت بالتغيير الايجابي رغم العجز في الوفاء بالاستحقاقات المادية و كلفتها لمواكبة هذا التغيير بمساعدة الحكومات المتعاقبة.

السلط مثل بقية المدن التاريخية أو المعاصرة في الأردن, فهي مدينة الثقافة الأردنية و هي مصنع للرجال الأوفياء منذ تأسيس الدولة الأردنية في عشرينات القرن الماضي و هي أم الأوائل. السلط مدينة "ولود" مثل بقية المدن الأردنية و انتماء أهلها للوطن أولا و لمدينتهم و جوارها, حيث لا يكون هناك تناقض بين مفهوم الانتماء للوطن و لمكونات الوطن و مفرداته.

تعرف المدينة الكبيرة بتاريخها و انتماء أهلها و أصالتها و معاصرتها و قوة إرادتها, و رؤيتها للمستقبل بعيون مثل "عيون اليمامة" و هكذا هي مدينة السلط.

ان حب الوطن لا يكون بمقدار ما يقدم لنا أو يملك من مخزون موردي و ثروات, انه أكبر و أغلى من ذلك بكثير, انه أضرحة الشهداء و التاريخ و التراث و التراب و الرمال التي تحضنك, انه الهواء و الماء, انه الكرامة و الحرية و نحن لا نريد أكثر.

السلط والكرك من أوراق كراسة العمر

|0 التعليقات
السلط والكرك مدينتان أردنيتان عريقتان حبيبتان إلى قلبي قريبتان من روحي. حفرت اسميهما وشما بدويا على زندي. أباهي بهما الدنيا عندما أذكرهما في حلي وترحالي، «أتحزم» بهما سيفا أردنيا غمده لا ينكسر ولا يرتد أبدا. الله ما أحلاهما، نشميتان أردنيتان غاليتان «علي» في اقترابي منهما وفي ابتعادي عنهما.

ما كان حنيني يوما لمدينة وإنما لمدينة ووطن، واليوم مع الغروب والسفر أصبح حنيني لمدينتين ووطن. السلط فيها جذوري ومنها خرجت إلى الحياة كما تنمو بادرة قمح في سهول البلقاء ومؤاب ومؤتة. في حواريها كان ملعب طفولتي، وفي مدرستها الثانوية وعلى حجارتها كتبت قصائد الشباب، ونثرت أحلامي عطرا فوق ماء «عين الجادور»، وعلى ضوء قناديلها الزيتية سهرت مع أقراني من أطفال حارتنا، كنا نراقب الساهرين في أيام الصيف تحت معرشات العنب «والسارين» إلى حقولهم في كل يوم جديد.

الكرك امتداد لروحي ولرحلتي في الزمن القادم، وفيها وجدت شيئا كان ضائعا من ذاتي، وتعانقت روحي الهاربة بأرواح فرسانها، والتحمت مع عناصر الطبيعة فيها ومع ناسها. وتفاعلت كيمياء جسدي بالأشجار والحجارة والطيور، تجولت في حارات الكرك العتيقة، عانقت أشواقي القديمة، وألقيت السلام والتحية على من أعرفهم ومن غادروا من فرسانها. ألقيت التحية على صلاح الدين وكأنني به قد أسرج حصانه وتمنطق بدرعه حاملا ترسه ورمحه وخلفه جيش جرار، وللخيول صهيل، وللسيوف صليل. وعند بوابة الفتح الأول يلتقي جيش خالد وجيش صلاح الدين، وتنطلق من هناك الفرسان والخيول.

وعندما يسألني الناس أن أتحدث عن ذاكرة الزمان والمكان.. أقف على بوابات السلط والكرك، يشدني إليهما الشوق وأبدأ أردد قصائد شعرائهما، ويتواصل وجدي القديم بالجديد.

سألني صحفي «كركي جنوبي» لماذا تغيرت مفردات كتاباتك منذ جئت إلى الجنوب؟ تردد أحيانا الجنوب، وأحيانا الجنوبي… قلت للصديق هذا سؤال الجواب عنه بوح جميل يحتاج إلى كلام كثير.. لقد لاحظت هذا شخصيا وحاولت أن أجد الجواب في داخل هاتين المدينتين الكرك والسلط.

هناك تشابه كبير بين السلط والكرك، الإنسان والجغرافيا والتاريخ. حاولت أن أبحث عن جواب، وأخذت أتذكر وأقرأ من أوراق كراسة العمر.

الكرك ترتكز على قمة جبل عال وعلى «المشراف» قلعة الكرك التاريخية، والسلط «مركوزة» فوق جبال عاليات وعلى حافة جبل منها قلعة السلط، وكل منهما لها ذاكرة وأساطير تروى عن مغامرات فرسانها وشجاعة فتيانها. الكرك «هواها» غربي خليلي، وأبناؤها ينتمون في جذورهم إلى الصحراء وإلى فلسطين. والسلط «هواها» غربي نابلسي، وابناؤها لهم سمات رجال الصحراء وملامح أبناء جبل النار. ولأنني لست مؤرخا، فقد تجاوزت التفاصيل، ولكنني أعرف بأن هناك حنينا يعبر الوادي عبر النهر.

في السلط معمار يحمل تكوينات أبنية نابلس، أعمدة من الحجر الأصفر، ونوافذ و«بلكونات». وفي الكرك معمار وواجهات حضارية تحمل خصائص الفن المعماري للقادمين إليها منذ زمان بعيد. شرفاتها مطرزة بقوارير الورد.

السلط والبلقاء سهول وجبال تغمرها حقول القمح والكروم والزيتون، والكرك والجنوب سهول وجبال وهضاب على امتداد المدى كروم وزيتون وقمح. في السلط والبلقاء عادات وتقاليد وإرث حضاري ينتقل من جيل إلى جيل. وفي الكرك عادات وتقاليد وموروث حضاري يتجدد مع الأجيال يربط الماضي بالحاضر.

وفي السلط قبائل عربية تدين بالإسلام والمسيحية، وتتحالف القبائل دون اعتبار لطائفتها، فهناك ولاء عشائري متنوع محمود الغايات، نبيل الأهداف. وفي الكرك قبائل عربية تدين بالإسلام والمسيحية، وتتحالف متناسية اعتباراتها الطائفية، معتزة بجذورها العربية. وفي السلط «الجميد» السلطي، وفي البلقاء السمن البلقاوي والقهوة العربية. وفي الكرك «الجميد» الكركي من «زحوم» و«الجديدة» والقهوة العربية «ودلال مصهيات». وفي البلقاء «خيام» تذكر بمجد تليد، مشرعات أبوابها لاستقبال «الخطار»، وفي الجنوب «خيام» مطرزة منسوجة من وبر الجمال والأغنام، يسكنها البدو الجنوبيون وعلى المدى «العيس» والشيح والقيصوم. وفي السلط «الهجيني والصحجة والشروقي» والربابة. وفي الكرك السامر والترويدة وأشعار البادية. وفي السلط يرتدون الشماغ الأحمر والعقال والعباءة ويتمنطقون «بعتاد الفشك» و«الشبرية».

وفي الكرك الشماغ الأحمر والعقال والعباءة والدشداشة البدوية وسيوف وبنادق وخناجر. وفي الكرك ينابيع وبساتين «وعين سارة»، وفي السلط غدران وينابيع وعين البنات. وفي الكرك فرسان وقادة جيش وشهداء في فلسطين، وفي السلط فرسان وقادة جيش وشهداء في فلسطين. الكركيون والسلطيون نشامى الوطن، ربع الكفاف الحمر، عشاق الجندية، ولاؤهم للهاشميين ولآل البيت الأطهار، ومن منطلق الولاء وضعوا أنفسهم وأولادهم في خدمة آل البيت منذ عهد الجد المؤسس إلى عهد عبدالله الثاني وإلى يوم الدين.

وفي السلط مؤسسة إعمار ووثيقة السلط الشعبية، وفي الكرك مؤسسة إعمار ووثيقة الكرك الشعبية، وفي السلط مدرسة السلط الثانوية أم المدارس الأردنية وفي الكرك مدرسة الكرك الثانوية أقدم المدارس الأردنية.

هذا البوح جزء من الجواب ولكن الأهم، هو أن السلط والكرك مدينتان أردنيتان وقطعة غالية من وطن واحد هو الأردن. الحديث عن الكرك وعن الجنوب عذب مثل عذوبة القصائد البدوية، فكلما عبرت من بوابة الصحراء جنوبا نحو الجنوب تتوقد مشاعري بحب هذا الوطن، وأكتب أحلى الكلمات في رحلة الذهاب، وفي رحلة الإياب أشعر بالاغتراب وبالاقتراب من مدينة هي حبي الأول وهي عمري. الكرك خاصرة وطن شامخ وحكاية فرسان، والسلط شامة على خد الوطن وحكاية حب. والأردن الوطن الأغلى والأحلى أنى توجهت تلقاك وجوه فرسانها، وأنى توجهت تلقاك أرض مزروعة بالرماح وبالسيوف وبالكرامة. سلام الله عليك يا كرك، وسلام الله عليك يا سلط، وسلام الله عليك يا وطن.

د. سليمان عربيات

الحلاق وقصيدة ليت للبراق عيناً فترى

|0 التعليقات
تجتاح داخلي عواصف من الذاكرة ، لزمن غابر من مدينة السلط الغالية ، كما تجتاح عواصف المطر الأرض اليباب ، فتعيد إلى جسدي المتعب حيويته وخصبه وتنبت على صدري بوادر القمح الطرية. هذه الذاكرة لم تعد كما كانت ذات يوم قريب ، عشقاً "نستولوجيا" وحنيناً إلى الماضي من الزمن الجميل ولكنها حقيقة في أحاسيسي وجسدي ولم تعد استحضاراً للماضي متخيلاً أو افتراضياً.

الزمن ، يقترب مني في رحلة الإياب لعقود مضت. كانت تجربتي الأولى مع حلاق المدينة رسمياً عندما أخذني والدي إلى مدرسة اللاتين. وقبل تلك الفترة كانت الموس هي الأداة التي يستعملها الآباء لقص شعر أطفالهم الذكور. كانت الحلاقة بالنسبة للأطفال متعة. المدلل منا يحظى بقص حلاقة اسمها "الحوافة" أو "البستان" أو القص الكامل "الأقرع أو الأصلع". وهي شبيهة بموضة هذه الأيام بالرغم من التسمية. وأذكر أنه بعد الانتهاء من القص كنا ننال ضربة خفيفة على رؤوسنا بدلاً من كلمة نعيماً ونهرب بعيداً إلى الحارة.

والحلاقة في التعريف الموسوعي هي قص الشعر أو تصفيفه. وكان الحلاقون في الماضي يقومون بعمل الجرّاح وكثيراً ما كنا نشاهد رجلاً يعبر الحارة ويحمل حقيبة وينادي "حلاق مطهر أولاد" وأحياناً كان يخلع الأضراس والأسنان. وفي عام عام م1540 ، صدر مرسوم في انجلترا منع الحلاقين من القيام بأية عملية جراحية كما منع قانون لاحق عام م1754 الجراح من مزاولة مهنة الحلاقة. وما زال شعار مهنة الحلاقة ظاهراً في شكل عمود حلزوني حوله أشرطة حمراء وبيضاء أمام صالونات الحلاقة ، وهذا يمثل الرباط الذي كان يلفه الحلاق على المريض بعد الفصد. وقد وجد موس بين بقايا العصر البرونزي ، حيث كان الجنود يحلقون لحاهم حتى لا يتمكن أعداؤهم من الإمساك بها. وفي طفولتنا كان آباؤنا يقصون شعرنا حتى لا يتمكن الأطفال منه ، فتضعف مقاومتنا ويتمكنون من التغلب علينا في معاركنا الصغيرة "ولا شمشون الجبار". وتقول الحكايات الكثيرة عن الحلاقين في روما وأثينا بأن محلاتهم كانت أماكن للمناقشة والحوار ونشر الإشاعات ، كما هي الصالونات السياسية في هذه الأيام. وقد جعل الأديب المسرحي "روسيني" من الحلاق "فيجادو" شخصية بطل في مسرحيته "حلاق اشبيلية".

ونتذكر من تراثنا رواية "حلاق بغداد" وقد كانت فيلماً ظهر عام م1954 من بطولة الفنان الهزلي اسماعيل ياسين. وتدور أحداث الفيلم حول حلاق في بغداد يحكي لزبائنه عن جده الأكبر ، بأنه كان له ابن معاق ويحرص على إسعاده فقام بشراء جارية له والتي اكتشفت أن الابن لم يكن معاقاً وإنما فعل ذلك حتى يتمكن من الوصول إلى جارية بنت الوالي.

وأذكر بأن أول حلاق ذهبت إلى صالونه كان بجانب سرايا الحكومة. وكنت أجلس على المقعد ، بينما المرحوم الحلاق يغني وهو يقص شعري بخفة وسرعة:

ليت للبراق عيناً فترى

ما ألاقي من بكاء وعنا

وقد بقيت هذه الأغنية في ذاكرتي عندما سمعت الراحلة أسمهان تغنيها بصوتها الشاكي. وعدت إلى قصة ليت للبراق كما روتها كتب التراث حيث أفادت بأن ليلى العفيفة هي ليلى بنت لكيز بن مرّة (توفيت حوالي عام 483 ميلادي) وهي شاعرة عربية جاهلية. وقد خطبها البراق بن روحان ، ويقال أنه ابن عمها. ولكن أحد أمراء فارس أسرها في إحدى المعارك وحملها إلى بلاده. ورفضت الزواج منه. وظلت على حالها حتى تمكن البراق من إنقاذها وتنسب إليها هذه القصيدة والتي منها:

ليت للبراق عيناً فترى.

ما ألاقي من بكاء وعنا.


عذبت أختكم يا ويلكم.

بعذاب النكر صبحاً ومسا.


غللوني قيدوني ضربوا.

جسمي الناحل مني بالعصا.


وهي قصيدة حزينة تصور العذاب الذي مرّت به هذه الأسيرة الحرة العربية من عسف الأعاجم.

وقد أتيحت لي الفرصة أن أنتقل من صالون حلاقة إلى صالون آخر في مدينة السلط في الساحة وفي شارع البلدية والحارة وهي صالونات كان يرتادها طلبة المدرسة الثانوية الكبار والمثقفون من الشباب وبعض قادة الفكر في المدينة. وأحياناً كان ينتمي صاحب الصالون (الحلاق) إلى اتجاه سياسي قومي أو يساري ، ويحاول أن يتماهى مع المثقفين في المدنية. وأذكر أن أجرة الحلاقة كانت بين 25و5 قرشاً.

أما اليوم فإن صالونات الحلاقة تملأ شوارع المدينة وحواريها في المناطق الأخرى من المدينة ، وهي مجهزة بجميع أنواع "الشامبوهات" وأدوات التجميل "والكريمات والجل" والتي تشكل "تسريحات الشعر" لشبابنا حسب الموضة وشخصية الشاب "ليبرالياً أو محافظاً" ولما أصبح من الصعب علي الذهاب إلى صالونات المدينة وبخاصة صالون "فخري" في الميدان ، وهو حلاق طيب ومحترم ، وكان يستقبلني دائماً بوجهه الباسم البشوش ولم يكن كثير الكلام. وأعترف بأنني أقوم بقص شعري أو ما تبقى من شعر ، في صالون للحلاقة في أحد الفنادق في مدينة عمان على مقربة من "السيفوي" القريب من المدينة الرياضية ولكن بموعد مسبق. وبصراحة فإنني أحب تناول فنجان قهوة "سكر قليل" يحضرها لي من كافتيريا الفندق. ويجب أن أنوه هنا ، بأنني لم أتحدث عن صالونات الحلاقة والتجميل لشقيقات الرجال فهذا لا شأن لي به.

د. سليمان عربيات

البلقاويون في حضرة الملك الشاب

|0 التعليقات
كان يوم أمس الأول، يوماً خاصاً للبلقاويين، فقد كانت السلط وجوارها على موعد مع فارسها وشيخها وعميدها. فلطالما اشتاقت إليه القلوب، لتكتحل عيون أهلها برؤيته. وليبدأ موسم جديد من مواسم الحب السلطي الذي زرعوه في سنوات المطر في ترابها الطهور مع كل غرسة زيتون ودالية في كروم العنب فوق جبال البلقاء والسلط وسهول المغاريب وعيرا ويرقا وعلى ربوات ماحص والفحيص وغابات الصنوبر وأشجار السنديان في أم العمد.

كان يوماً، لا أبهى ولا أجمل، من أيام البلقاء، ولتزهو السلط بين شقيقاتها المدن الأردنيّة الكرك ومعان وإربد وعجلون والزرقاء وجرش والمفرق وهي تقف في حضرة الملك الشاب، لتجدِّد البيعة وحتى يتواصل الولاء والوفاء والعطاء. تداعى البلقاويون والنشامى والنشميات من كل بلدة وقرية، ومن السهل والوادي والجبل إلى السلط الوفية، مطاياهم المطهمات العاديات من خيول البلقاء الضمَّر، وعلى صهواتها الفرسان من أبناء قبائل البلقاء الأهل والعشيرة الذين ما أخلفوا عهداً ولا حنثوا وعداً.

نهضت السلط مبكِّرة مثل طفلة بلقاوية ريفيّة، ذات صباح أردني لتستقبل مع شقيقاتها البلدان والقرى البلقاوية حاميها وراعيها. كانت سروة تعيد إلى الذاكرة فصلاً من فصول التاريخ الأول مع البدايات الأولى عند قيام الدولة الأردنيّة. كانت السلط أم الأوائل حينما تعلِّم أبناء الأردن كتابة الحروف الأبجديّة وما بعدها عندما قامت مدرسة السلط الثانوية التي رعاها وأرسى قواعدها الجدّ المؤسِّس، وتقام بعدها المدارس والمعاهد والجامعات. البلقاء والسلط مدينة المهاجرين والأنصار وعاصمة الثقافة الأردنيّة، السلط وجوارها التراث والتاريخ والثقافة، كانت يوم أمس الأول، تعيش لحظات المجد وتعزِّز المحبة بلقاء الملك عبدالله الثاني.

تحدَّث الملك الشاب وبروح الشباب وبعزيمة المؤمن المتفائل عن المستقبل، عن الوعد بحياة فضلى. وفي كل ساعة تمضي، وكل يوم يذهب، يفكِّر الملك بهموم شعبه وتحسين مستواهم المعيشي. تحدَّث الملك عن مشاريع كثيرة عن قناة البحرين، وعن جولاته العالميّة لجذب الاستثمار لحل المشاكل القائمة كالفقر والبطالة. تحدَّث الملك عن أهمية القطاع كرافد حيوي للاقتصاد الوطني والبدء بتنفيذ مطار في منطقة الأغوار. أكَّد جلالته على أهمية التعليم والصحة والخدمات المقدَّمة للمواطنين مقدِّراً التحدِّيات والصعوبات التي تواجه المواطنين. كانت طروحات الملك ثابتة وواضحة وكلها تصبُّ في حماية المواطنين من الصعوبات المعيشيّة. إنَّه الملك الذي لا يخذل قومه، وإنّه الشعب الذي لا يخذل قائده.

وفي اللقاء، تحدَّث المواطنون، فتحوا قلوبهم لقائدهم، قالوا الكلام الراشد وباختصار ومباشرة. لم يكن همّ المتحدِّثين فردياً بل همومهم هي هموم الوطن. لم يغفل المتحدِّثون واقع الإنجاز، ولكنَّهم فتحوا صفحات الأمل والمستقبل. تحدَّث المسؤولون والمواطنون عن قضايا أساسيّة: الأزمة المروريّة، والتوسُّع العمراني، وتطوير وسط المدينة، والجغرافيا الصعبة للسلط، وإعفاء المزارعين من ضريبة المبيعات، وإنشاء مدينة صناعيّة، وإعلان بعض الأماكن مناطق سياحيّة تنمويّة، وإنشاء مبان لمدارس الملك عبدالله الثاني للتميُّز. هناك قائمة طويلة من الاقتراحات والأمنيات سعى البلقاويون لإيصالها إلى صاحب الولاية الذي استمع باهتمام ووعد بتنفيذ الممكن إن شاء الله. قال المواطنون كلاماً رائعاً بحق الوطن ولقائد الوطن. ولكن من أجمل الذي قيل هو ما قاله جلالة الملك الشاب لأهل البلقاء في عاصمة البلقاء. كلام يضيء بالوعد ومفعم بالتفاؤل.

وغادر جلالته، كما أُستقبل، بحفاوة بالغة تحرسه قلوب الناس ورموش عيونهم... الأطفال والشيوخ... النشامى والنشميات... الشباب والكهول. وبقي البلقاويون يردِّدون الأغاني الشعبيّة... يا أبو حسين حنَّا عزوتك... وكانت أغاني الفنان السلطي الأردني عمر العبداللات يتردَّد صداها في الوادي والجبل.. تمجِّد كل مدينة أردنيّة وكل محافظة... والسلطيون يهزجون معه أغنيتهم المفضلة... سلطية... سلطية... لا حارة ولا أكراد... أردنيّة... أردنيّة.

د. سليمان عربيات

ذاكرة المدينة

|0 التعليقات
تحملني إليها أشواقي مع كل مساء. أحن إليها حنين الخلج (الناقة التي فقدت وليدها) إلى ضيرها (وليدها). تعاتبني وهي تدري بأنني أحبها. فما أطبقت عيني بعد سهاد ليل شتائي ، إلا وقد رويت ظمأي من حسنها وعطرت جسدي المتعب من زهور ياسمينها ورمانها وريحانها ودحنونها وبقلها وعشبها.

ها أنا اليوم أقف في حضرتك حاملاً دفتر العشق وذكريات العمر لأقرأ على مسامعك ما فعلته بي الأيام وما فعلت في تلك الأيام ولأروي حكايات طفولتي وشبابي وتجارب الزمان لعقود غابرات ولزمان قادم.

فتحت اليوم "صندوق أمي" المرأة الحكيمة الراحلة ، الغالية "ست الحبايب" وكانت قد حفظت في داخله حكايا "الطفل المدلل" وقطعاً من ملابسه التقليدية. أذكر أن أول ما قدمته لي كان مبلغاً من المال وفرته لي من حصاد عمرها وخبأته من راتبي أثناء سفري لأمريكا للدراسة ، وكانت أمنيتها أن تجد لي بنت الحلال حتى تفرح بي في حياتها ، وقد تحقق لها هذا الحلم وسعدت بأحفادي.

أيتها المدينة الشامخة يا صاحبة الكبرياء والنخوة "يا شيخة" المدن ، أيتها الولود العنود ، ويا صاحبة العصمة والحمية ويا سيدة القلعة يا حارسة النبع المقدس ، يا أم الأوائل ويا مصنع الرجال ويا من حضرت وشهدت على البيعة الهاشمية ، عليك السلام وعلى أهلك أهلي الأوفياء السلام. ها أنا أعبر اليك من بوابتك الشرقية لأنثر على قدميك الزهور البرية وقوارير العطر المعتقة. أيتها الجميلة الساكنة الساجدة في محرابها الأزلي ، فقد عدت إليك مع أطفالك الأبرياء لنقرأ من جديد في الكتاتيب ومدرسة السلط الثانوية ، الحروف الأبجدية.

في كل الأماكن ، خبأت "صرة" من الذكريات. رحت أطوف في كل زقاق وحارة أبحث عن آثار أقدامنا المنحوتة على البلاط الحجري أو على جدران من الحجر الأصفر في أبنيتك التاريخية وقد تمردت على عوامل الزمن واستعصت على أوامر الهدم وبقيت نوافذها مفتوحه تطل من عبرها وجوه الجميلات العذارى الطاهرات من بنات المدينة. ما زالت سطول "الزريعة" من الورد الجوري وشجيرات الياسمين والريحان تطل بأعناقها الخجولة وترش عبقها الفطري على العابرين من العشاق.

أصعد العقبة والسلالم ، أجلس على حجر على الرصيف ، أتحدث إليه وأقدم نفسي له فيبتسم وأغادر إلى جهة أخرى في المدينة ومن حارة إلى حارة ومن زقاق إلى زقاق ، وكأن ماضي المكان قد عاد إلى هنا في لحظة ثم اختفى مع ضباب الليل وبين رذاذ المطر وقناديل الكهرباء.

أيتها السلط ، الشاهدة على عصر الحب والبدايات ، الوارثة لكبرياء الآباء والأجداد ، زراع الأرض الكروم والتين والزيتون وملحها وجودها. أيتها العربية الأردنية ، يا ذاكرة الثقافة والشعر يا أم الأردنيين في صباهم وشبابهم عندما جاؤوا إليك حاملين متاعهم وزوادتهم من جميد الكرك وبقول اربد ومعان وعمان ، ليدخلوا مدرستك الأولى.

يا حبيبة عرار ووصفي وعبدالسلام وأديب وهبة.. يا ذاكرة الكبار من الأوائل الذي صنعوا مجدك ووضعوا اسمك على قائمة الشرف والشهادة والولاء للقادة من بني هاشم وللدولة الأردنية.

السلام عليك أيتها المدينة الغالية وسلام الله على أهلك الطيبين.

د. سليمان عربيات

من ذكريات زمن الطفولة الجميل

|0 التعليقات
أذكر قبل سنين ، عندما كنت أسير ذات ليلة صيف في احد شوارع "روما" بصحبة الصديقين كامل محادين ومصطفى حمارنة ، وكانت الساعة حوالي الثانية صباحاً ، وكنا لتونا قد انتهينا من تناول طعام العشاء في احد المطاعم العريقة على أحد أرصفة المدينة المزدحمة بالسياح والعاشقين الذين لا يخبئون غرامهم عن عامة الناس متمثلين حياة العشاق من أجدادهم ومن الفنانين الذين رسموا أجمل صورة لإمرأة في العالم (الموناليزا) وأقاموا تماثيل لآلهة الحب الأسطورية "ونوافير" للحب يرتادها العشاق من أحفاد "روميو وجوليت" وعمر بن أبي ربيعة وجميل بثينة.

في هذا الجو المعطر بأنفاس العشاق وعبق التاريخ والفن ، التفت إلي مصطفى وبجدية وسألني: لماذا لا تكتب سيرتك الذاتية؟ لقد وضعني في لحظة الدهشة الموجعة ، أجبت: وهل تعتقد بأن سيرتي تستحق عناء الكتابة ، وماذا أنجزت حتى الآن لأقوله للناس؟ كنت أعرف سبب سؤاله ، ففي لحظة ما ، وفي "بوح" صادق تحدثت عن حياتي وصراعي مع الدنيا بلغة جميلة درامية النص وبعمق ، وعندها تناثرت الكلمات من فمي وقلبي مثل ثمار الكرز وأعتقد بأنني أو لربما "بكيت" لا لضعف فيَّ ولكن للشعور العاطفي الغلاب في حالة من اللاوعي. لم يكن كامل حيادياً ولكنني اكتشفت فيما بعد أنه سجل الكثير من عباراتي في دفتر مذكراته "الملون مع رسومات موحية من ذاكرة المكان".

وبعدها ، بدأت أفكر في كتابة مذكراتي أو رحلة العمر الخصبة من أيام الطفولة وحتى مرحلة متأخرة. وجاءت اللحظة الحاسمة ، فقد كنت في طريقي إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليلة عيد الميلاد ، وفي أثناء الرحلة بين عمان الغالية ونيويورك ، وطائرة الملكية تحلق في فضاءات لا نهائية الارتفاع والأفق ، كنت أطل عبر نافذة الطائرة إلى الفضاء الخارجي ، كنت أشعر بأنني أسافر في عالم النجوم ولروعة المشهد ، اعتقدت بأنني أستطيع لمس النجوم الجوالة في سماوات هذا الكون ، سبحان الخالق القادر الرحمن الرحيم. قررت في تلك اللحظة أن أكتب العبارة الأولى "بعد أن توكلت على الله" ومنذ تلك السنوات ، مرت بي تجارب كثيرة خاصة وعامة مؤلمة ومفرحة. وبدأت بالرجوع إلى ذاكرة الزمان الطفولي عندما كنا مثل الفراشات نركض في حقول القمح ومروج الزهور البرية. وكنت بين الفينة والفينة أعود لكتابة أجزاء متقطعة من سيرتي الذاتية إلا أنني لم أضع صيغة متكاملة لها رغم أن الزمن يداهمنا ولا يحتمل التأخير.

شدني الحنين وبجاذبية وجدّ ثرّ من الذكريات إلى مرابع الطفولة حيث يقضي أهلي الطيبون من عشيرة العربيات وجيرانهم من قبائل السلط الكريمة صيفهم وربيعهم في مناطق المغاريب والطف وربوع الهوى ، وهي مناطق تقع على بعد عشرة كيلومترات غرب السلط وتطل على الضفة الغربية ومدن أريحا والقدس ونابلس. وهذه الأسماء الجميلة ورثناها عن أجدادنا ولكننا لم نقم بواجبنا تجاهها عندما أخذتنا المدن والحواضر وتوارينا في الزحمة التي لا ترحم ولا تعرف الحنان وصنعنا منها (موارس) ليتم بيعها بثمن بخس تحت ضغط الحاجة والعوز.

المغاريب ، هي مصيف وربيع أهلي ، زرعوا فيها كروماً غناء وأشجار التين والزيتون وزرعوا أرضها بالقمح والتبغ والبطيخ ، وفيها السهل والجبل ، السهل الذي كان أقربائي يبنون فيه خيامهم "المسوحبة" على امتداد سهل "أم زيتونة". كان أصدقاء والدي وأقاربه ينصبون خيامهم "بيوت الشعر" محاذية لبعضها ، ويقضون سهراتهم في أدوار متبادلة والاستماع إلى الأشعار النبطية ودق المهباش وشرب القهوة العربية. ولكنهم كانوا يفضلون السهر في "شق أبو إبراهيم" رحمه الله خليل أبو حجر وهو رجل متأنق في لباسه وحديثه المتميز ، لا يستطيع شخص مقاطعته إذا بدأ بالكلام. وكان آخرون من أقاربي بينهم "أبو جميل - أحمد السالم" رحمه الله وكان صياداً ماهراً للطيور البرية وبينه وبين والدي منافسة حادة نحو فنون الصيد لطيور الحجل والحمام والشنار.

كان أبناء قبيلتي شديدي التعصب لجذورهم حيث تذكر المصادر عن عشائر الأردن بأنهم ينتسبون إلى قبيلة شمر من طي القحطانية ، كما ذكر دولة عبدالرؤوف الروابدة في إصداره الجديد "معجم العشائر الأردنية" ولهذا ساد بينهم الفخر بأصلهم وشاع الشعر النبطي وبخاصة شعر شمَّر في حروبهم الطويلة في حائل والجزيرة العربية.

وأما الطف ، فهو امتداد جبلي يمتد عشرات الكيلومترات من "طف يوشع" إلى "طف المغاريب" ثم "طف الطرازين" وجميعها تطل من مشراف أو مرقاب عالْ على غور الأردن وجبال فلسطين. أما ربوع الهوى فإن دلالته واضحة في مسماه فهي ربوع وهو مستقبل للهواء العليل الذي يأتي نقياً من الغرب حتى تحس به وكأنه عبق من نسائم البخور ، وربوع الهوى يضم "المطلات" الخاصة بمناطق المغاريب والطرازين. ولربما "حبايل الجاج" وهي مسميات محلية يتداولها أهل المنطقة.

إنني مهما جمعت من الذاكرة عن هذه المناطق الغالية ، فأعتقد بأن ذاكرة الزمان والمكان والناس تغطي جزءاً عزيزاً من حياتي. وكلما عدت إلى المكان الذي تغيرت معالمه الطبيعية ، أشعر باقتراب شديد. كنت في مرحلة ما من شبابي أيام المدرسة ، أجلس تحت دالية كرم العنب أو زيتونة أو شجرة تين ، وبخاصة مع الغروب ، أراقب الشمس وهي راحلة نحو مضجعها فوق جبال فلسطين وعندما تغرق أشعر بالضيق من إرهاصات الغروب ، فأكتب ، في سويعات الاحتضار والغروب ، عبارات رمادية يجلّلها وشاح من الحزن والشعور بالأفول وأغرق في تفكير لم أستطع تفسيره آنذاك وحتى اليوم ولكنني ما زلت أحس به كلما مررت بالمكان وجاءت سويعات الغروب.

د. سليمان عربيات

مدرسة السلط الثانوية .. ذكريات أصدقاء الدراسة

|0 التعليقات
كلما دخلت بوابات السلط العتيقة ، يواجهني باسماً وجه الثانوية الصبوح ، فأرد عليها السلام وتحية الصباح من بعيد. أراها بعيني العاشق وكأنها أميرة أسطورية جالسة على أريكة من العاج يجللها الحرير الغالي وتزين جيدها أطواق من اللؤلؤ والزمرد والمرجان.

مدرسة السلط الثانوية جامعة الأردنيين في الزمان الجميل ، زمان البدايات وهي أم المدارس عندما بدأ الأردنيون يكتبون الحروف الأبجدية الأولى ويبنون وطناً جميلاً ولا كل الأوطان ، أرسى الجد المؤسس الأمير (الملك) عبدالله الأول بن الحسين طيب الله ثراه حجر الأساس في عام 1923 وانطلق السلطيون والأردنيون بهمة الشجعان ، وحتى السجناء ، يعلون بنيانها جوهرة ثمينة تزين "التل" المطل على مدارس السلط وعلى الطريق المؤدي إلى فلسطين.

وفي كل صباح عند المساء عندما أشاهد وجهها البسام ، أقرأ فيه صفحات خالدة من كتاب الوطن ، وتأسرني الذكريات فأرجع إليها واستحضرها لأطالع ما كان بيننا من قصص وحكايا ، وأردد "ألا ليت الشباب يعود يوماً..". أقول هذا الكلام ، عندما وقعت عيناي على كتاب أصدرته ادارة المدرسة عن مدرسة السلط الثانوية في عيدها الخمسين عام ,1976شعرت بالفرح الطفولي وأنا أقرأ أسماء زملائي وأصدقائي في قائمة الخريجين لعام 1957 ـ ,1958 كان عددهم (76) طالباً ، تبدأ باسم الصديق أحمد ابراهيم العبداللات وتنتهي باسم الصديق محمد عبدالله الحياري وكان رقمي (48). قرأت قائمة الأسماء أكثر من مرَّة حتى تمكنت من استرجاع صورة كل واحد منهم إلى درجة أنني تذكرت سلوكه والنوادر والطرائف والألقاب التي كنا نمنحها لهؤلاء المتفردين في شخصياتهم. كان بعضهم قريباً "مني أو منا" وبعضهم بيني وبينه مسافة مثل خط أخضر ولا أقول أحمر.

ترددت كثيراً في ذكر بعض الأسماء ، فهذا المقال لا يسمح بورود قائمة خاصة بهم ولكنني ، بالرغم مما أملك من الحب والاحترام لهم جميعاً ، أخذت بعض الأسماء لزملاء كانت لي معهم تجارب شخصية وبعضهم ما زلت أرتبط به ارتباطاً لم يستطع الزمان وأحداثه الصعبة أن تفرق بيننا. ويأتي أولاً ، الأخ والصديق الغالي هاشم القضاة (أبو مصعب) الذي تزاملت معه وصادقته من الصف الثالث وسيظل حتى نهاية العمر. وأبو مصعب شخصية هادئة ، وما زال يحمل سجايا الإنسان الرقيق الصادق المثقف المبدع ، وخلقه رفيع. في شبابنا كنا ننتمي إلى مدرسة فكرية واحدة. نحن العشاق للسياسة والقوميين الوطنيين ، أردنيو الانتماء هاشميو الولاء.ولهاشم تأثير كبير عليّ ، وما زال مرجعاً أمينا لي في ثقافته الموسوعية وحبه وحكمه على الأمور.

أعرف عن هاشم صبره وتسامحه ووفاءه للجميع. وأذكر وجوه بعض الذين رحلوا شوقي قاقيش وعبدالحليم الضرغام وفاضل صالح القر وعلي الحبيس وفاروق العقاد رحمهم الله جميعاً. ومنهم من لم ألتقه منذ ذلك الزمان البعيد بعدما تفرقنا وراح كل في "طريق".وكنا نطلق "كنية" على الكثيرون من زملائنا مستمدة من سلوكه أو مهنة والده ، وهي لا تسلم من العبثية والنكاية ، وتصبح "الكنية أو اللقب" الدارجة بيننا أكثر من الأسماء. فهذا نطلق عليه "النغش" أي المدله وهذا نطلق عليه "القدوم" لأن والده كان نجاراً وهذا "داندى" لطريقة مشيته مثل بطل قصة مقررة في الأدب الإنجليزي وهذا "الفيلسوف" لإصراره الدائم على طرح نظرية خاصة مفادها أن الأرض منبسطة وليست كروية وآخر نطلق عليه "أبو الطرفان" لأن والده كان جزاراً.

ولقد عوقبنا من صديقنا هذا ، فقد حرمنا من الوجبات اللذيذة والدسمة من "اللحم والطرفان" عندما علم بأننا أطلقنا عليه هذا اللقب. ولقد ندمنا على فعلتنا لأننا خسرنا شيئاً لم نكن نحلم به في بيوتنا. ولا أود أن أصف كم كان هذا الزميل كريماً ومحباً لنا وبخاصة والديه وأخوانه وأعتقد أن عقوبتنا كانت عادلة وكافية بمقدار الذنب الذي ارتكبناه والبادئ أظلم.ومع كل هذا ، فإنني أود أن يعلم جيل اليوم بأننا كنا صبورين ومجتهدين وكانت الحياة قاسية وصعبة على الجميع.

لقد كان الطلبة يتنافسون على أمور كثيره ، أولها التعبئة الثقافية فقد كنا نتفاخر بقراءة الكتب وبخاصة مؤلفات طه حسين والمنفلوطي وجان بول سارتر وفرانسوا ساغان ودواوين شعر المتنبي والفيتوري والبياتي وكنا نكتب الشعر والقصة ونجيد الخطابة ورسائل الحب العذري.أما الأمر الثاني فهو الاهتمام السياسي ، حيث توزعنا بين الاتجاهات الإسلامية والقومية واليسارية وكثيراً ما كانت تقع المشاجرات بين الطلبة ولكن ليس على أساس عشائري ، كما هو اليوم ، وإنما على أساس حزبي. والأمر الثالث هو التنافس في الدراسه وبخاصة بين الطلبة المتفوقين. وأود أن أسجل هنا بأنه ليس جميع الأوائل ، حصلوا على مناصب عليا في الدولة ولكن قد يكون البعض منهم قد جمع ثروة ونجح في حياته الخاصة.

كان جيلنا ، جيلاً جادا إلى حد القسوه لصعوبة الحياة وللتربية "الاسبارطية" التي كنا نعاني منها ، وهي في تصوري تربية نموذجية على الأقل بالنسبة لنا. أطال الله أعمار الأحياء من الأصدقاء ومتعهم بموفور الصحة والعافية وأسلم على الذين مرَّوا على هذا المقال ، وأدعو الله أن يديم ازدهار مدرستنا الغالية حتى تظل مصنعاً للشباب وللرجال.

د. سليمان عربيات

معالي الأستاذ الدكتور سليمان عربيات

|0 التعليقات
تاريخ الميلاد : 1938
الجنسية : اردنية
الحالة الاجتماعية : متزوج
الشهادات العلمية
1965 بكالوريوس علوم زراعية ،جامعة دمشق،كلية الزراعة،سوريا
1969 ماجستير اقتصاد زراعي ،جامعة اريزونا،الولايات المتحدة الأمريكي
1975 دكتوراه اقتصاد زراعي ،جامعة ولاية المسيسبي،الولايات المتحدة الامريكية. الخبرات العملية :-
2005 حتى الأن رئيس جامعة مؤتة
2001 - 2005 أستاذ الاقتصاد الزراعي ،كلية الزراعة ،الجامعة الاردنية
1997- 2001 رئيس جامعة العلوم التطبيقية الخاصة ،الاردن
1994 - 1997 أستاذ الاقتصاد الزراعي ،كلية الزراعة ،الجامعة الاردنية
1991 – 1994 نائب رئيس الجامعة الاردنية
1989 - 1990 وزيراً للزراعة ،الاردن
1989 - 1989 عميد كلية الزراعة ،الجامعة الأردنية
1976 - 1989 رئيس قسم الاقتصاد الزراعي ،أستاذ مساعد،أستاذ مشارك،أستاذ/ كلية الزراعة،الجامعة
الاردنية
1965 - 1976 وزارة الزراعة ،وظائف ومهمات متعدد

2005 - 2009 رئيسا لجامعة مؤتة
2009 - الى الأن  رئيسا للجامعة الهاشمية

مجالات الاختصاص والخبرات
تقوم المشاريع الزراعية والجدوى الاقتصادية .
السياسة الزراعية والتخطيط للتنمية الاقتصادية .
المسوحات الاجتماعية والاقتصادية.
إقامة المؤسسات ووضع الأنظمة والقوانين الإدارية (نقابة المهندسين الزراعيين،وزارة الزراعة،الجامعة
الاردنية). النشاطات العامة
1. نقيب المهندسين الزراعيين الاردنيين 1982- 1984 2. رئيس اتحاد المهندسين الزراعيين العرب 1983 - 1985 3. عضو الفريق الوطني لاعداد الخطة الخمسية للتنمية الاقتصادية 1986 – 1990 4. رئيس الفريق الوطني لتطوير المناهج الزراعية في وزارة التربية 1986 – 1989 5. عضو مجلس التربية 1989 – 1990 6. رئيس لجنة الاشراف على تأليف الكتب الزراعية في وزارة التربية والتعليم 1991 – 1996 7. رئيس مجلس ادارة مؤسسة الاقراض الزراعي 1989 – 1990 8. رئيس مجلس ادارة مؤسسة التسويق الزراعي 1989 – 1990 9. رئيس لجنة العطاءات واللوازم في الجامعة الاردنية 1991 – 1994 10. رئيس لجنة صندوق اسكان الجامعة الاردنية 1991 – 1994 11. رئيس لجنة اعتماد الجامعات الاجنبية في وزارة التعليم العالي 12. المشاركة في عشرات من الندوات والدورات التدريبية والمؤتمرات المحلية والعربية والعالمية 13. القاء عدد من المحاضرات المتخصصة في الجمعيات والمؤسسات الوطنية والاكاديمية . 14. عضو لجنة التحكيم لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي في مجال الزراعة والتنمية الاقتصادية في الوطن العربي (لعامي 1984 ، 1986)