مع بزوغ فجر الثورة العربية الكبرى في عام 1916 كانت ولادة الشخصية الوطنية حكمت مهيار، الذي واكب مراحل نشأة الدولة الاردنية، فشهد اعلان استقلالها، وعاصر جميع ملوكها، فكان قريبا من ابرز محطات تطورها.
ولد في مدينة السلط، وعاش في بيت العائلة، وهو البيت الذي اتخذه الملك المؤسس استراحة له في عام 1921، وما زال قائما الى يومنا هذا، ودرس في مدرسة تجهيز السلط التي سميت فيما بعد بثانوية السلط والتحق بالدورات المتعددة، وخدم في جميع مناطق المملكة في الضفتين.
يستعيد اللواء مهيار «ابو المطيع»، ذكرياته وهو يتحدث إلى وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، عن مراحل مفصلية من تاريخ الاردن المعاصر، حيث كان له شرف الانتساب للخدمة العسكرية، في الجيش العربي عام 1933، حيث مرت على المنطقة العربية ومنها امارة شرق الاردن، عواصف سياسية صعبة، فكان شاهدا على الكثير من الاحداث، لقربه من أصحاب القرار ابتداء بعهد الملك المؤسس عبدالله الاول، مرورا بعهد الملك طلال بن عبدالله، ثم مرحلة البناء في عهد المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراهم، ليشهد مراحل التطور في عهد الملك عبدالله الثاني، الذين كان لهم الفضل الكبير في ارساء دعائم الوطن وحمل رايته عاليا في مختلف المحافل الدولية، حتى أصبح الاردن بفضل الهاشميين واحدة من الدول التي تحظى بالاستقرار والامن، ومن أكثرها تطورا في المنطقة.
لم تضعف ذاكرته، وهو يتمتع بسرعة البديهة، بالرغم من بلوغه 96 عاما، حيث يتوقف عند محطات مهمة من تاريخ الاردن وفلسطين والعراق والمنطقة، من خلال المناصب الحساسة التي تولاها، ومشاركته بحرب فلسطين عام 1948، وتعيينه بمنصب مدير المباحث الاردنية عام 1956، إلى جانب توليه قيادة الشرطة في عدة مناطق اردنية شرقي النهر وغربه، ثم مديرا لشرطة العاصمة، إلى أن عين مديرا للامن العام في العام 1964، ثم محافظا للعاصمة.
شهدت الفترة التي خدم فيها اللواء مهيار، العديد من الأحداث الساخنة، ومن ابرزها حرب عام 1948 والنكبة، التي كان لها تأثير كبير على الساحتين الاردنية والعربية، جراء ما تبعها من عمليات تهجير ونزوح من فلسطين، نجم عنها مظاهرات غاضبة، ألقت على عاتق قوات الامن العام مهمة السيطرة والحفاظ على أمن البلد واحتواء حالة الغضب إلى جانب ضمان حق التعبير عن الألم الذي خلفته النكبة في البلاد.
تدرج مهيار في العديد من المناصب والرتب العسكرية، حتى وصل إلى رتبة أمير لواء (لواء حاليا).
التحق بالجيش العربي، الذي لم يسم بالأردني ليظل وفيا لرسالته العربية، وكان يضم في تشكيلته الجيش والامن العام، حيث ابتدأت خدمته العسكرية كشرطي، وقد تشرب مهيار كل معاني الحب والوفاء للوطن والتفاني في الدفاع عنه بوجه أي أخطار.
يذكر مهيار أن أسعد الأيام التي مرت على الأردن هو يوم إعلان الاستقلال في 25 أيار عام 1946، وكان حينها مساعدا لقائد شرطة العاصمة، وبعد أن كان اسمها إمارة شرق الأردن أصبح اسمها المملكة الأردنية الهاشمية، ونودي بالملك عبدالله الأول ملكا عليها، وقد شهد مهيار افتتاح أول دورة برلمان أردني في عهد المملكة.
وحيث كان هنالك مخطط الصهيونية العالمية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، دخل العرب عام 1948 حربا للدفاع عن فلسطين.
وشارك مهيار مع الجيش العربي في الحرب، كان له شرف قيادة معركة حامية الوطيس ضد العصابات الصهيونية في مستعمرة كفار عصيون قرب الخليل، وكان قائدا للسرية الثانية عشرة انذاك، والتي احتل معها المستعمرة والمستعمرات الثلاث المجاورة لها وطرد اليهود منها، وبقيت الخليل في أيدي العرب، حيث انها بفضل الانتصار الذي تحقق في هذه المعركة لم تخضع للاحتلال الصهيوني ضمن أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، وحسب اعترافات اليهود ضمن التقارير الاسرائيلية فقد تكبد الصهاينة خسائر فادحة في الأرواح والعتاد في تلك المعركة، كما تم أسر ثلاثمائة جندي اسرائيلي أحضرهم مهيار مرورا بالسلط وعمان الى معسكر الاعتقال في أم الجمال في المفرق.
يستعيد تلك الحادثة ويقول «عندما مررنا بالسلط، علم أهلها بقرب قدوم الأسرى اليهود، فخرجوا من بيوتهم، حاملين أسلحتهم وتجمعوا في موقع البياضة قرب مركز الشرطة انذاك، وكانوا يريدون القضاء على الأسرى انتقاما لمجازرهم ضد أهل فلسطين».
وقتها صدرت الأوامر للرئيس (النقيب) حكمت مهيار، الذي وصل الى الشونة مع الأسرى، بأن يعالج الموضوع بحكمته ودرايته مع أهله بالسلط، ولما وصل مشارف المدينة، وجد جموعا غفيرة من الرجال الغاضبين، وكان يرافقه رئيس بلدية الخليل انذاك سماحة الشيخ محمد علي الجعبري، لذي ألقى خطبة من على منصة النقطة الاولى في المدينة وخاطب الأهالي بأن هؤلاء أسرى حرب، وأن العرب لم يعتادوا منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام الاساءة للأسرى، وأن أهالي السلط هم أهل شهامة ونخوة تأبى عليهم أنفسهم الإساءة لهم، وبعد اجتماع لوجهاء السلط سمحوا بمرورهم، وعند منطقة صويلح جاء وفد من شباب وسط عمان حيث طلبوا عدم الدخول إلى عمان بالأسرى، لذا تم سلوك طريق وادي الحدادة ومن ثم إلى شرق الزرقاء ومنها وصلوا إلى معسكر الأسرى في أم الجمال، وفي الطريق ما بين الزرقاء وأم الجمال قابل جلالة الملك عبد الله الأول سماحة الشيخ الجعبري ومهيار وشكرهما على هذا الانتصار، وإثر هذه المعركة التي سجلت في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية، نال مهيار وساما رفيعا من الملك عبدالله طيب الله ثراه.
ويقول مهيار: رغم الظروف والتحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في عام 1956، الا ان المغفور له الملك الحسين اتخذ قرارا سياديا أردنيا صرفا بإقصاء البريطاني كلوب باشا عن الجيش الاردني، وكذلك اعفاء الضباط الانجليز كافة من مهامهم، حيث طلب جلالته من كلوب باشا الحضور الى رئاسة الوزراء، ليبلغه بقرار الاستغناء عن خدماته، مع مجموعة من الضباط البريطانيين ورئيس الوزراء انذاك توفيق ابو الهدى، كما يقول مهيار، ورافق كلوب بعد اعلامه بإنهاء خدماته رئيس الديوان الملكي الهاشمي بهجت التلهوني، ووزير الدفاع فلاح المدادحة.
ومنذ ذلك التاريخ تسلم الضباط الأردنيون مواقع الجيش العربي كافة فصدرت الارادة الملكية بتعيين اللواء راضي عناب قائدا للجيش، وتعيين مهيار مديرا للمباحث، فكان أول مدير مباحث اردني بتاريخ الجيش (بعد تعريب قيادته)، خلفا للسير (باتريك كوكهل).
يرى مهيار أن قرار تعريب قيادة الجيش العربي كان تجسيدا لطموحات الأمة والشعب في التحرر من السيطرة الاجنبية، حيث عمت الفرحة بهذا القرار أنحاء المملكة وكافة أرجاء الوطن العربي.
وعن تطور جهاز الأمن العام يروي مهيار أن الأمن العام ومنذ تأسيس إمارة شرق الأردن بقي مرتبطا كليا بالجيش لغاية عام 1956 عندما تم فصله وتم تعيين بهجت طبارة أول مدير للأمن العام برتبة أمير لواء، ومن ثم تم تأسيس مديرية الأمن العام كجهاز مستقل عن الجيش، وتم ربطه بوزارة الداخلية، وكانت هذه المرحلة بمثابة حجر الأساس لتاريخ الشرطة في الأردن لا سيما أنها اشتملت على تشكيل وتنظيم جميع وحدات الأمن العام، ونتيجة للتطور وازدياد أعداد السكان في الأردن أصبح هنالك تسارع في تطوير الجهاز واستقطاب الكفاءات العلمية والثقافية وتجنيدهم، الأمر الذي استدعى تأسيس كلية متخصصة للشرطة تعنى بتدريب المجندين وتنظيم شؤونهم، فكان تأسيس كلية الشرطة الملكية عام 1958، حيث اهتمت بالدورات وإعداد وتنظيم المرتبات، وخلال (1962-1965) تم تشكيل الشرطة المتحركة التي أطلق عليها شرطة النجدة، كما تم رفد جهاز الأمن العام بالمباني ومديريات الشرطة وعدد من المخافر والمراكز الأمنية في مختلف مناطق المملكة، وفي عام 1965 صدر قانون الأمن العام الذي تضمن تفصيلا لحقوق وواجبات القوة.
وهنا يفتخر اللواء مهيار بالإنجازات التي حققها جهاز الأمن العام، الذي كان مشهودا لأفراده قيامهم بمهامهم الموكولة اليهم على أفضل وجه، رغم ضعف وبساطة الامكانيات والتجهيزات انذاك، مشيدا بالتطور الذي وصل اليه جهاز الأمن العام في يومنا هذا، وما حققه من إنجازات ومستوى متقدم جعل الأردن مثلا في الأمن والأمان يشهد له القاصي والداني.
نال اللواء مهيار الأوسمة الاردنية كافة، ومن أرفعها وسام النهضة من الدرجة الأولى، ووسام الحسين للعطاء المميز من الدرجة الاولى، اللذين قلدهما له الملك عبدالله الثاني، إضافة الى الأوسمة الاخرى خلال خدمته الطويلة أهمها وسام الاستقلال من الدرجة الاولى ووسام الكوكب الأردني من الدرجة الاولى، كما منح وسام حملتي سوريا والعراق وفلسطين، واوسمة الخدمة الطويلة، والحرب البريطاني، وملك بريطانيا للخدمة في سبيل الحرية، والاستحقاق السوري، والكومودور والارز اللبنانيين، والاستقلال المغربي، والاستقلال التونسي، والهمايوني، والتاج الايرانيين، واوسمة من بابا الفاتيكان، وبطريرك الروم في القدس، ووسام الصين الوطنية.
مشاركة الموضوع مع الأصدقاء :
Add This To Del.icio.us
Tweet/ReTweet This
Share on Facebook
StumbleUpon This
Add to Technorati
Digg This
|