تعرفت الى الدكتور سليمان عربيات اواخر الثمانينات, ايام كان يكتب للرأي مقالات تجمع الى اصالة الرأي طرافة محببة, وكنت ألمس حرصه على تجويد ما يكتب وعلى معرفة اثره في الاخرين. ثم تراخى الزمان بنا فلم اره الا قبل سنوات في ورشة فكرية, وكان بيننا حديث قصير ثم مضى كل لطيته وسبح كل في فلكه, الى ان اتيح لي مؤخراً الاطلاع على كتاب سيرته الذاتية: «وجه القمر» الذي كتبه في مواجهة المرض العضال, وضمّنه من الحكمة شذرات تستوقف ذوي الالباب, فوجدتني اتأمل مستأنياً هذه الشذرات التي افرد لها الفصل العاشر من كتابه, تحت عنوان: «مائة درس من الحياة والناس», والتي تذكرنا بألوان من «الحكمة العملية» و»الاداب الاجتماعية» التي حفظها لنا تراث الامم, والتي لا يخطئ المرء فيها روح «المعلم» الذي يريد ان يستبريء لضميره فيما يقدمه للاخرين من دروس.
وعلى ان الدكتور سليمان عربيات قد شفع كل شذرة بشرح يضيء دلالاتها لقرائه, الا انها تظل قابلة للتحليق في آفاق المعاني مع كل تأمل جديد. وهي تذكرني بشذرات هيراقليطس على اختلاف في الزمان والمكان. وانا اختار جملة منها اعتقد انها تعكس طبيعة التجربة التي كابدها كاتبها الكريم..
يقول الدكتور سليمان عربيات في شذراته:
تذكر دائماً من اين اتيت. لا تتنكر لماضيك, سواء اتيت من عائلة فقيرة أو ميسورة.
وعندما تأخذ قراراً تحمل مسؤوليته كاملة ولا تلق باللوم على غيرك.
ولا تخش خصومك في العمل او في الرأي فكل مسؤول له خصوم وله انصار. لا تجعل خصومك في منأى عنك وعليك الاهتمام بما يقولون. وتأكد من اداء انصارك فأنت بحاجة الى من يقدم لك الرأي السديد وبخاصة في الازمات.
وتذكر بأن لك عائلة وان لها عليك من الواجب مثلما للعمل.
من الخطأ ان تعتقد بأنك دائماً على صواب, فالخطأ من خصائص البشر. ان دروس الحياة لا نهاية لها, ومن يعتقد غير ذلك فهو لم يبلغ درجة الحكمة. لا تزرع حلمك في ارض مزروعة بالشوك.
غادرت الاساطير والخرافات عقل الشعوب بعد نزول الاديان السماوية.
اذا كانت بعض الممارسات التربوية التقليدية خاطئة فإن بعض النظريات الحديثة خاطئة ايضاً.
لا تعتقد ان العالم لك وحدك وان جميع من حولك قد وجدوا لخدمتك.
فكر في هذا الكون اللانهائي وتقرب الى الله ما استطعت. ضعه – سبحانه – نصب عينيك في كل ما تفعل في السر أو في العلانية. لا تقف عند ما تقرأ من اجابات جاهزة لاسراره, بل احصل على الاجوبة عن طريق المنطق والعقل فإن ذلك يقوي من ايمانك ويدخلك في عالم من الراحة والسكينة. قرأت في حياتي مصطلحات عديدة مثل: خرافة التنمية, وحدود التنمية, والتنمية المفقودة, والضربة الاستباقية, وصراع الحضارات, ونهاية التاريخ, والفوضى الخلاقة, والموجات الاولى والثانية والثالثة, وهذه جميعها اطروحات الاخرين, اما نحن فليس لنا اطروحات, فما زلنا في سبات عميق..
واذ نجتزئ بهذه الشذرات عن سائرها فإننا نلاحظ اندراجها في سياقين اولهما متعلق بالادارة ومسؤولياتها, وثانيهما يتعلق بالوعي وشروطه. وهي في كل حال برهان قوي على قوة الانتباه ويقظة العقل والضمير, او – بصيغة اخرى – على عظمة الروح الانسانية في مواجهة اقدارها.
ولقد اصاب جوهر الحقيقة مقدم الكتاب الاستاذ الشاعر هاشم القضاة حين وصف هذه الدروس المائة بالقناديل التي يستضيء بها من يطلبون الخبرة والحكمة واليقين, فهي كذلك بحق. وعسى الله ان تظل مستراداً للمتوسمين وان يجزي صاحبها خير الجزاء, وان يقوي منه ومنا العزائم, أنه على كل شيء قدير.
أبراهيم العجلوني
جريدة الرأي
مشاركة الموضوع مع الأصدقاء :
Add This To Del.icio.us
Tweet/ReTweet This
Share on Facebook
StumbleUpon This
Add to Technorati
Digg This
|