في عام 1933 عاد عبدالرزاق فلاح خريسات من برلين يحمل بين يديه شهادة البكالوريوس في الهندسة المعمارية ، في وقت كانت فيه الأمية تفرد ظلالها على حياة الناس ، ليبدأ والده الباشا فلاح الحمد الخريسات باستقبال المهنئين في مضيفه بمدينة السلط التي قدمت لامارة شرق الاردن اول مهندس معماري في البلاد.
السنوات الخمس التي قضاها الفتى السلطي في برلين ، شهدت سيطرة الحركة النازية بقيادة ادولف هتلر على سدة الحكم في المانيا ، ومن المؤكد ان الطالب الاردني في كلية الهندسة قد تعرف جيدا الى طبيعة الخطاب السياسي للقائد الالماني الذي بدا متطرفا ، وربما لم يتفاجأ المهندس وهو يتابع من الاردن عملية اجتياح الجيش الالماني لبعض دول اوروبا في بداية الحرب العالمية الثانية عام ,1939
كان الهيكل الاداري للامارة الفتية ما زال يتشكل بهدوء في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي ، وقد وجد المهندس المعماري الاردني الاول عبد الرزاق خريسات وظيفته في دائرة الاشغال العامة والاسكان ليضع خبرته العلمية في هذا المجال ، خاصة وان عمان بدأت تتوسع في الاتجاهات كلها في تلك الفترة ، لينتقل بعد ذلك للعمل في مديرية الدفاع المدني ويستمر في وظيفته عدة سنوات.
في منتصف الستينات اضيف لقب اخر للمهندس المعماري ، الذي استقال من وظيفته ليتفرغ لادارة شؤون العشيرة ، بعد ان توفي شيخها "والده" فلاح باشا الحمد الخريسات ، وصار على المهندس ان يتصرف بروح واخلاق شيخ العشيرة ، التي ورثها عن والده.
في بيت سلطي عريق ولد عبدالرزاق خريسات عام 1911 في فترة كانت البلاد فيها تحت سيطرة الحكم العثماني ، وترعرع في كنف والده الشيخ ، الذي منحه الباب العالي لقب "بيك" ، والتحق بمدرسة مدينته السلط التي كانت في تلك الفترة تستقطب الطلبة من كل انحاء البلاد ، ويتخرج منها في العام الدراسي 1927 - 1928 ، قبل ان يقرر السفر الى العاصمة الالمانية لدراسة الهندسة.
وتشير المعلومات الموثقة الى ان الباب العالي في استنبول منح الشيخ فلاح وسام المجيد الشامل من الرتبة الخامسة ، حين كان عضوا في مجلس ادارة قضاء البلقاء وأحد ابرز شيوخ عشائرها ، فيما انعم عليه الملك المؤسس عبدالله الاول بلقب الباشا تقديرا لدوره في الحياة الاجتماعية ، ويقع ترتيب المهندس عبد الرزاق الثالث بين اخوته.
في مسيرته المهنية ، ظل المهندس المعماري منحازا لتخصصه العلمي ، وظلت الهندسة بالنسبة اليه قبل كل الوظائف الاخرى ، لذلك كان طبيعيا ان يعتذر عن تسلم أي منصب اداري او سياسي طيلة فترة عمله في القطاع العام ، وظل مخلصا لوظيفته التي منحته الريادة في مجال تخصصه.
سبعون عاما عاشها ابو طلال ، بدأت في العهد العثماني وتابع عن كثب عملية ولادة الكيان السياسي الاردني المعاصر ، ورغم اقامته في عمان ، الا ان السلط ظلت تعيش في داخله ، كما يشير الى ذلك من عرفوه ، وعند وفاة والده الشيخ فلاح باشا ، عاد المهندس متفرغا في مسقط رأسه لادارة شؤون العشيرة ، لتظل النيران مشتعلة في مضيفه الذي استقبل وفودا اجتماعية وعشائرية من جميع جهات الوطن.
كان للشيخ المهندس دور بارز في صياغة وثيقة السلط الشعبية واعتمادها ، وهي الوثيقة التي اجتمعت عليها عشائر المحافظة عام 1981 ، للنهوض بالعادات والتقاليد العشائرية ذات الوجه الايجابي ، لكن الشيخ ابا طلال توفي بعد شهر واحد من اعلان تلك الوثيقة ، ولم يطل به العمر لرؤية نتائجها في حياة الناس.
وتقول شخصيات سلطية ان الشيخ المهندس الذي ظل مضيفه عامرا لاكثر من خمسة عشر عاما ، كان مرجعية عشائرية واخلاقية لكل ابناء المحافظة الذين وثقوا بموقفه وسلوكه ورأيه في كل القضايا التي تهم حياتهم ، وكثيرا ما وقف ابو طلال على تلال مدينته وامعن بصره غربا ليرى ارض فلسطين التي عرفها جيدا من خلال الزيارات العديدة التي قام بها للمدن الفلسطينية ، وتعرف الى اهلها وشدته معاناة شعبها.
في سجل الاردنيين الاوائل ، فان اسم المهندس المعماري عبدالرزاق خريسات سيظل موجودا على قائمة المهندسين التي توسعت كثيرا هذه الايام ، بعد ان ترك الرواد البناة بصماتهم في مسيرة الوطن .
هشام عودة
عن جريدة الدستور
مشاركة الموضوع مع الأصدقاء :
Add This To Del.icio.us
Tweet/ReTweet This
Share on Facebook
StumbleUpon This
Add to Technorati
Digg This
|