مدرسة السلط الثانوية : صرح علمي عتيق محمّل بالذكريات العَطِرة

"أم المدارس" منارة تحمل للأجيال العلم والمعرفة

ما أن تعتلي قمة "تل الجادور" إلى الجهة الجنوبية من السلط القديمة المطلة على وادي السلط من الجنوب، وعلى مدخل المدينة من الشرق وعلى الأحياء القديمة والحديثة من الجهات جميعها، يطالعك أقدم صروح العِلم في الأردن "أم المدارس" في المملكة، مدرسة السلط الثانوية.

هذا الصرح العلمي الذي لعب دورا بارزا في الحياة العلمية والسياسية، وخرّج الكثيرين من رجالات الأردن يعود تاريخ بنائه إلى العام 1923، وفق أمين متحف السلط التاريخي د. إبراهيم المصري، الذي أشار إلى أن المدرسة تنقلت قبل ذلك في بيوت عدة، كان يتم استئجارها من خلال لجان متعددة، فمن بيت الرهوان إلى بيت الحاج عبدالله الداود إلى بيت رشيد المدفعي ومن ثم إلى بيت فوز النابلسي.

وبعد تأسيس إمارة شرق الأردن تزايد عدد الطلبة الذين توافدوا على المدرسة من جهات مختلفة، وبشكل لم تعد معه قادرة على استيعابهم، مما دعا أهالي السلط للتشاور في بناء مدرسة، وكان في مقدمتهم أديب وهبة الذي أشرف بنفسه على جمع التبرعات، ومن ثم تم اختيار الموقع الذي هي عليه الآن.

مبنى مدرسة السلط الثانوية المكوّن من طابقين، يقع على مساحة 30 دونما، افتتحه المغفور له الملك المؤسس عبدالله بن الحسين العام 1923 وبواقع 17 غرفة للإدارة والتدريس.

وباشرت المدرسة بطاقمها التدريسي والهيئة الإدارية مشوار الأعوام الدراسية مع بداية العام 1924، وتخرج أول فوج في العام 1925 وبلغ عددهم أربعة طلاب، وفي العام 1926 تخرج منها الفوج الثاني وعدده ثلاثة.

مدرسة السلط الثانوية التي كان يتولى العملية التربوية والتعليمية فيها طاقم من المعلمين تم استقطابهم من بلدان عربية عدة قام ببنائها عبدالرحمن كوكش.

أما طرازها المعماري فيحاكي نمط العمارة العربية الإسلامية، من حيث تقسيم الأجنحة والغرف إلى الأشكال الدقيقة في تلوينات البلاط.

وما يميز بناء المدرسة هو التكرار غير الممل والتركيز على شرائط المنفعة والابتعاد عن البذخ ابتداءً من توزيع الغرف وانتهاء برسومات البلاط.

واعتمد البلاط الملون لتزيين أرضية المدرسة التي حملت لوحات فنية رائعة ذات طابع عربي إسلامي، تجمع أشكالا مختلفة مثل؛ الدوائر والتشجير الممتد والمربعات والمثلثات المتناسقة، كما ويضم كافة أنواع النجوم.

ويتشابه مبنى مدرسة السلط الثانوية في عمارته مع مباني نابلس، نظرا للتمازج التجاري والسكاني بين هاتين المدينتين.

وما أن تُقرر الدخولَ من البوابة الرئيسية لهذا المكان يأخذ تفكيرَك أرشفةُ الماضي على جنبات ممراته، إذ تطالعك لوحاتٌ تكريمية على يسار الممر الذي يقودك إلى قاعات الإدارة والغرف الصفية، نقشت عليها أسماء من تخرجوا من هذه المدرسة، وهم نخبة من الرعيل الأول الذين تركوا بصماتهم في شتى مناحي الحياة الأردنية السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية، فمنهم من شغلوا منصب رئاسة الوزراء وعلى رأسهم بهجت التهلوني وسعد جمعة وهزاع المجالي ووصفي التل وأحمد اللوزي وعبدالسلام المجالي، وعدد آخر ممن شغلوا مناصب وزارية مختلفة.

أما الجهة اليمنى من جدران الممر فاحتضنت لوحتها التكريمية أسماء المديرين الذين تعاقبوا على إدارة المدرسة منذ بداية تأسيسها ومنهم حسني فريز، محمد أمين زيد الكيلاني، حكمت الساكت.

في حين يحتضن الممر الذي يقودك إلى الغرف الصفية وتزركشت أرضيته بتشكيلات عدة، صورا توثق لأفواج الطلبة الذين تخرجوا من المدرسة منذ العام 1924 وحتى عهدنا هذا.

خلف المدرسة ما تزال الغرف القديمة التي كانت سكنا للطلبة القادمين من محافظات مختلفة ومن خارج الأردن، مغلقة وتحتفظ بأسرار من سكنوها طوال أعوام دراستهم.

في حين تأخذك أدراج حديثة طمست معالم الطرقات القديمة إلى مختبر الكيمياء والفيزياء أقدم مختبر في مدارس المملكة ومجهز بأقدم وأحدث التجهيزات ويتم رفده سنويا بما تتطلبه حاجات الطلاب. كما وتأخذك الأدراج ذاتها إلى بناء المكتبة الذي يحتضن 18000 كتاب.

وكان لمدرسة السلط الثانوية التي أطلق عليها في العام 1919 اسم "مدرسة مركز قضاء السلط"، دور ثقافي بارز، فغدت منذ تأسيسها مركزاً يهتم بالخطابة وإلقاء المحاضرات في مختلف المواضيع التي كانت تشغل بال الطلاب.

وفي العام 1939 قام بعض تلاميذها بالتطوع لتعليم الأميين في صفوف ليلية، إلى جانب النشاطات الكشفية والاجتماعية والدينية والرياضية والرحلات.

وكان على الطالب الذي يلتحق بمدرسة السلط الثانوية أن يقرأ القرآن ويتلقى درسا في الحساب والإملاء، وحسن الخط ويتعلم الأخلاق والنشيد والرسم ومع مرور الوقت كان عليه أن يتعلم الهندسة والجبر والمساحة، والتاريخ والجغرافيا والزراعة والطبيعيات ومسك الدفاتر والأشغال اليدوية، فضلا عن اللغة الانجليزية والموسيقى والنظافة والترتيب.

عزيزة علي
نقلا عن جريدة الغد
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))