‏إظهار الرسائل ذات التسميات شخصيات سلطية بارزة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات شخصيات سلطية بارزة. إظهار كافة الرسائل

لوحة شرف الوزراء الذين تخرجو من مدرسة السلط

|0 التعليقات
لوحة شرف الوزراء الذين تخرجو من مدرسة السلط الثانوية للبنين :

  1. السيد عبدالرحيم الواكد
  2. السيد رياض المفلح
  3. السيد مصطفى خليفة
  4. السيد حابس المجالي
  5. السيد صلاح طوقان
  6. السيد عبدالرحمن خليفة
  7. السيد ضيف الله الحمود
  8. السيد صالح المجالي
  9. السيد عبد الحليم النمر
  10. السيد محمد طوقان
  11. السيد مروان الحمود
  12. السيد حمد الفرحان
  13. السيد شفيق أرشيدات
  14. السيد أحمد أبو قورة
  15. السيد أحمد الطراونة
  16. السيد نجيب أرشيدات
  17. السيد ثروت التلهوني
  18. السيد عبد الوهاب المجالي
  19. السيد سليمان الحديدي
  20. السيد صلاح أبوزيد
  21. السيد صادق الشرع
  22. السيد محمد نزال العرموطي
  23. السيد محمد عبد الرحمن البشير
  24. السيد صلاح جمعة
  25. السيد علي عناد خريس
  26. السيد جعفر ناجي الشامي
  27. السيد يحيى الخطيبب
  28. السيد أحمد فوزي
  29. السيد محمد رسول الكيلاني
  30. السيد أسحق الفرحان
  31. السيد محمد أسماعيل العطيات
  32. السيد أنيس المعشر
  33. السيد عمر عبد الله
  34. السيد علي الحياري
  35. السيد صالح برقان
  36. السيد عبد السلام المجالي
  37. السيد أبراهيم الحباشنة
  38. السيد فرحان الشبيلات
  39. السيد جريس خليل حدادين
  40. السيد فريد العكشة
  41. السيد عبد الله النسور
  42. السيد حكمت الساكت
  43. السيد سليمان عربيات
  44. السيد سمير قعوار
  45. السيد عادل القضاه
  46. السيد عبد الرزاق النسور
  47. السيد هاشم الدباس
  48. السيد فؤاد قاقيش
  49. السيد حمد الله النابلسي
  50. السيد عبد خلف داؤديه
  51. السيد أبراهيم زيد الكيلاني
  52. السيد مصطفى شنيكات
  53. السيد نذير أحمد الرشيد
  54. السيد بسام قاقيش
  55. السيد علي يوسف النسور
  56. السيد علي الفزاع
  57. السيد عزمي خريسات
  58. السيد محمد أبو حمور
  59. السيد محمود الكايد الضرغام
  60. السيد خليل السالم

أم نبراس .. نموذج المرأة الاردنية المكافحة

|0 التعليقات
نجحت أم نبراس في تقديم النموذج الأمثل للمرأة الأردنية النشمية العصامية المكافحة والمواطنة الصالحة.. فقد شاء القدر أن يبتليها بفقدان الزوج في مرحلة مبكرة من عمرها وهي بأمس الحاجة إلى معين يساعدها في تحمل أعباء الحياة ويساندها ويؤنسها في ظلام الأيام الصعبة ولكنها لم تستسلم تحت وطأة الفقر والعوز فبإرادتها القوية وتصميمها على اجتياز المرحلة لتكمل مشوارها بهمة عالية تمكنت السيدة حنه السمردلي من المواءمة بين أدوارها المتعددة فهي أم رؤوم حنون سهرت الليالي الطوال لتنام غراسها الثلاث بأمان واطمئنان فهي الأم ذات العزيمة القوية التي نجحت في تربية أطفالها ليكونوا معاول بناء وعطاء وهي المواطنة الصالحة التي تقوم بخدمة مجتمعها وأبنائه من خلال موقعها الوظيفي كتربوية ومن خلال عملها التطوعي.

تمكنت ام نبراس من تحقيق المعادلة الصعبة والموازنة بين أعباء الأسرة ومسؤولياتها وبين التزامات الوطن وأعباء العمل العام ولم تقف عند تربية زهراتها الثلاث وتربيتهن التربية الصالحة فلقد عكفت على تعليمهن وتأهيلهن ليتخرجن لبنات صالحات كفؤات.

فنبراس بكرها أكملت تعليمها في جامعة مؤتة – كلية الأميرة منى وهي تعمل الآن معيدة في الجامعة ومجد تخرجت من الجامعة وتحمل شهادة الهندسة في الأراضي والمياه والبيئة وأنجم تحمل درجة البكالوريوس في نظم المعلومات الإدارية.

كما أن السيدة حنه التي ولدت في مدينة السلط بمنطقة الجدعة عملت معلمة في قرى موبص والمضري ووادي السلط ومدرسة ميمونة الثانوية واليمامة والقابسي وشاركت في العديد من الدورات التدريبية ضمن الأطر التربوية وحصلت على عشرات شهادات التقدير من كافة مؤسسات المجتمع المدني والرسمي وهي عنصر فاعل في منتدى السلط الثقافي وتجمع لجان المرأة الوطني وعضو استشاري في مركز شابات السلط.

وبعد أن اتمت رسالتها البيتية وانخراطها في المجتمع الذي تعيش فيه أقدمت السيدة حنه على تأليف كتاب بعنوان "عبق من تاريخ السلط" يحكي قصة العادات والتقاليد التي عاشتها وشاركت بها الآباء والأجداد وكذلك تراث السلط الشفوي والأمثال الشعبية التي ترجمتها ودونتها في كتابها الذي يضم 200 صفحة.

وتقول أم نبراس في السنين البواكر من عمري ومنذ أن بدأ يتضح في أعماقي الوعي الأول وراحت قدماي تدب فوق بلاطات ساحاتها العتيقة بدأت قصة عشقي للسلط الحبيبة فوجدت نفسي انعم بمخزون وافر من التراث الشعبي واحمد الله إنني وطيلة العقود الماضية من عمري بقيت ارقب وارصد هذه العادات بكل حواسي وأعيشها في أعماق ضميري ووجدت من واجبي اليوم أن أفي وطني جزءا من جميل عظيم طوّق عنقي عندما وجدت نفسي اتفيأ ظلال السعادة والنعمة والأمن التي وفرها لنا الأردن الغالي فرحت استعين بالذاكرة القوية إضافة إلى ما سجله قلمي ووجداني من عادات وتقاليد انهض اليوم لأترجم هذا العشق وأدون ما شاهدت وسمعت من تراث السلط الشفوي الذي هوجزء لا يتجزأ من تراث الأردن أدونه هدية للجيل الجديد من شباب والشابات ليكونوا متواصلين مع تراث وعادات وتقاليد أهلهم.

وأضافت السيدة حنه السمردلي تقول "الأم نصف المجتمع وصانعة النصف الآخر "وهي أم الانبياء والرسل والطبيب والمهندس والمعلم الأم التي تهز السرير بيمينها وتهز العالم بيسارها.

وقالت أتمنى أن يعم السلام والأمان أردننا الحبيب وان يجعل الله هذا البلد أمنا مطمئنا وان يسود السلام والوئام العالم اجمع وان يكون الله في عون الأيتام الذين فقدوا أمهاتهم واختتمت حديثها بالقول : ان وراء كل امرأة رجل عظيم ووراء كل رجل عظيم امرأة.

الدستور
عدنان خريسات

حكمت مهيار : «إعلان الاستقلال» أسعد يوم مر على الأردن

|0 التعليقات
مع بزوغ فجر الثورة العربية الكبرى في عام 1916 كانت ولادة الشخصية الوطنية حكمت مهيار، الذي واكب مراحل نشأة الدولة الاردنية، فشهد اعلان استقلالها، وعاصر جميع ملوكها، فكان قريبا من ابرز محطات تطورها.

ولد في مدينة السلط، وعاش في بيت العائلة، وهو البيت الذي اتخذه الملك المؤسس استراحة له في عام 1921، وما زال قائما الى يومنا هذا، ودرس في مدرسة تجهيز السلط التي سميت فيما بعد بثانوية السلط والتحق بالدورات المتعددة، وخدم في جميع مناطق المملكة في الضفتين.

يستعيد اللواء مهيار «ابو المطيع»، ذكرياته وهو يتحدث إلى وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، عن مراحل مفصلية من تاريخ الاردن المعاصر، حيث كان له شرف الانتساب للخدمة العسكرية، في الجيش العربي عام 1933، حيث مرت على المنطقة العربية ومنها امارة شرق الاردن، عواصف سياسية صعبة، فكان شاهدا على الكثير من الاحداث، لقربه من أصحاب القرار ابتداء بعهد الملك المؤسس عبدالله الاول، مرورا بعهد الملك طلال بن عبدالله، ثم مرحلة البناء في عهد المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراهم، ليشهد مراحل التطور في عهد الملك عبدالله الثاني، الذين كان لهم الفضل الكبير في ارساء دعائم الوطن وحمل رايته عاليا في مختلف المحافل الدولية، حتى أصبح الاردن بفضل الهاشميين واحدة من الدول التي تحظى بالاستقرار والامن، ومن أكثرها تطورا في المنطقة.

لم تضعف ذاكرته، وهو يتمتع بسرعة البديهة، بالرغم من بلوغه 96 عاما، حيث يتوقف عند محطات مهمة من تاريخ الاردن وفلسطين والعراق والمنطقة، من خلال المناصب الحساسة التي تولاها، ومشاركته بحرب فلسطين عام 1948، وتعيينه بمنصب مدير المباحث الاردنية عام 1956، إلى جانب توليه قيادة الشرطة في عدة مناطق اردنية شرقي النهر وغربه، ثم مديرا لشرطة العاصمة، إلى أن عين مديرا للامن العام في العام 1964، ثم محافظا للعاصمة.

شهدت الفترة التي خدم فيها اللواء مهيار، العديد من الأحداث الساخنة، ومن ابرزها حرب عام 1948 والنكبة، التي كان لها تأثير كبير على الساحتين الاردنية والعربية، جراء ما تبعها من عمليات تهجير ونزوح من فلسطين، نجم عنها مظاهرات غاضبة، ألقت على عاتق قوات الامن العام مهمة السيطرة والحفاظ على أمن البلد واحتواء حالة الغضب إلى جانب ضمان حق التعبير عن الألم الذي خلفته النكبة في البلاد.

تدرج مهيار في العديد من المناصب والرتب العسكرية، حتى وصل إلى رتبة أمير لواء (لواء حاليا).

التحق بالجيش العربي، الذي لم يسم بالأردني ليظل وفيا لرسالته العربية، وكان يضم في تشكيلته الجيش والامن العام، حيث ابتدأت خدمته العسكرية كشرطي، وقد تشرب مهيار كل معاني الحب والوفاء للوطن والتفاني في الدفاع عنه بوجه أي أخطار.

يذكر مهيار أن أسعد الأيام التي مرت على الأردن هو يوم إعلان الاستقلال في 25 أيار عام 1946، وكان حينها مساعدا لقائد شرطة العاصمة، وبعد أن كان اسمها إمارة شرق الأردن أصبح اسمها المملكة الأردنية الهاشمية، ونودي بالملك عبدالله الأول ملكا عليها، وقد شهد مهيار افتتاح أول دورة برلمان أردني في عهد المملكة.

وحيث كان هنالك مخطط الصهيونية العالمية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، دخل العرب عام 1948 حربا للدفاع عن فلسطين.

وشارك مهيار مع الجيش العربي في الحرب، كان له شرف قيادة معركة حامية الوطيس ضد العصابات الصهيونية في مستعمرة كفار عصيون قرب الخليل، وكان قائدا للسرية الثانية عشرة انذاك، والتي احتل معها المستعمرة والمستعمرات الثلاث المجاورة لها وطرد اليهود منها، وبقيت الخليل في أيدي العرب، حيث انها بفضل الانتصار الذي تحقق في هذه المعركة لم تخضع للاحتلال الصهيوني ضمن أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، وحسب اعترافات اليهود ضمن التقارير الاسرائيلية فقد تكبد الصهاينة خسائر فادحة في الأرواح والعتاد في تلك المعركة، كما تم أسر ثلاثمائة جندي اسرائيلي أحضرهم مهيار مرورا بالسلط وعمان الى معسكر الاعتقال في أم الجمال في المفرق.

يستعيد تلك الحادثة ويقول «عندما مررنا بالسلط، علم أهلها بقرب قدوم الأسرى اليهود، فخرجوا من بيوتهم، حاملين أسلحتهم وتجمعوا في موقع البياضة قرب مركز الشرطة انذاك، وكانوا يريدون القضاء على الأسرى انتقاما لمجازرهم ضد أهل فلسطين».

وقتها صدرت الأوامر للرئيس (النقيب) حكمت مهيار، الذي وصل الى الشونة مع الأسرى، بأن يعالج الموضوع بحكمته ودرايته مع أهله بالسلط، ولما وصل مشارف المدينة، وجد جموعا غفيرة من الرجال الغاضبين، وكان يرافقه رئيس بلدية الخليل انذاك سماحة الشيخ محمد علي الجعبري، لذي ألقى خطبة من على منصة النقطة الاولى في المدينة وخاطب الأهالي بأن هؤلاء أسرى حرب، وأن العرب لم يعتادوا منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام الاساءة للأسرى، وأن أهالي السلط هم أهل شهامة ونخوة تأبى عليهم أنفسهم الإساءة لهم، وبعد اجتماع لوجهاء السلط سمحوا بمرورهم، وعند منطقة صويلح جاء وفد من شباب وسط عمان حيث طلبوا عدم الدخول إلى عمان بالأسرى، لذا تم سلوك طريق وادي الحدادة ومن ثم إلى شرق الزرقاء ومنها وصلوا إلى معسكر الأسرى في أم الجمال، وفي الطريق ما بين الزرقاء وأم الجمال قابل جلالة الملك عبد الله الأول سماحة الشيخ الجعبري ومهيار وشكرهما على هذا الانتصار، وإثر هذه المعركة التي سجلت في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية، نال مهيار وساما رفيعا من الملك عبدالله طيب الله ثراه.

ويقول مهيار: رغم الظروف والتحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في عام 1956، الا ان المغفور له الملك الحسين اتخذ قرارا سياديا أردنيا صرفا بإقصاء البريطاني كلوب باشا عن الجيش الاردني، وكذلك اعفاء الضباط الانجليز كافة من مهامهم، حيث طلب جلالته من كلوب باشا الحضور الى رئاسة الوزراء، ليبلغه بقرار الاستغناء عن خدماته، مع مجموعة من الضباط البريطانيين ورئيس الوزراء انذاك توفيق ابو الهدى، كما يقول مهيار، ورافق كلوب بعد اعلامه بإنهاء خدماته رئيس الديوان الملكي الهاشمي بهجت التلهوني، ووزير الدفاع فلاح المدادحة.

ومنذ ذلك التاريخ تسلم الضباط الأردنيون مواقع الجيش العربي كافة فصدرت الارادة الملكية بتعيين اللواء راضي عناب قائدا للجيش، وتعيين مهيار مديرا للمباحث، فكان أول مدير مباحث اردني بتاريخ الجيش (بعد تعريب قيادته)، خلفا للسير (باتريك كوكهل).

يرى مهيار أن قرار تعريب قيادة الجيش العربي كان تجسيدا لطموحات الأمة والشعب في التحرر من السيطرة الاجنبية، حيث عمت الفرحة بهذا القرار أنحاء المملكة وكافة أرجاء الوطن العربي.

وعن تطور جهاز الأمن العام يروي مهيار أن الأمن العام ومنذ تأسيس إمارة شرق الأردن بقي مرتبطا كليا بالجيش لغاية عام 1956 عندما تم فصله وتم تعيين بهجت طبارة أول مدير للأمن العام برتبة أمير لواء، ومن ثم تم تأسيس مديرية الأمن العام كجهاز مستقل عن الجيش، وتم ربطه بوزارة الداخلية، وكانت هذه المرحلة بمثابة حجر الأساس لتاريخ الشرطة في الأردن لا سيما أنها اشتملت على تشكيل وتنظيم جميع وحدات الأمن العام، ونتيجة للتطور وازدياد أعداد السكان في الأردن أصبح هنالك تسارع في تطوير الجهاز واستقطاب الكفاءات العلمية والثقافية وتجنيدهم، الأمر الذي استدعى تأسيس كلية متخصصة للشرطة تعنى بتدريب المجندين وتنظيم شؤونهم، فكان تأسيس كلية الشرطة الملكية عام 1958، حيث اهتمت بالدورات وإعداد وتنظيم المرتبات، وخلال (1962-1965) تم تشكيل الشرطة المتحركة التي أطلق عليها شرطة النجدة، كما تم رفد جهاز الأمن العام بالمباني ومديريات الشرطة وعدد من المخافر والمراكز الأمنية في مختلف مناطق المملكة، وفي عام 1965 صدر قانون الأمن العام الذي تضمن تفصيلا لحقوق وواجبات القوة.

وهنا يفتخر اللواء مهيار بالإنجازات التي حققها جهاز الأمن العام، الذي كان مشهودا لأفراده قيامهم بمهامهم الموكولة اليهم على أفضل وجه، رغم ضعف وبساطة الامكانيات والتجهيزات انذاك، مشيدا بالتطور الذي وصل اليه جهاز الأمن العام في يومنا هذا، وما حققه من إنجازات ومستوى متقدم جعل الأردن مثلا في الأمن والأمان يشهد له القاصي والداني.

نال اللواء مهيار الأوسمة الاردنية كافة، ومن أرفعها وسام النهضة من الدرجة الأولى، ووسام الحسين للعطاء المميز من الدرجة الاولى، اللذين قلدهما له الملك عبدالله الثاني، إضافة الى الأوسمة الاخرى خلال خدمته الطويلة أهمها وسام الاستقلال من الدرجة الاولى ووسام الكوكب الأردني من الدرجة الاولى، كما منح وسام حملتي سوريا والعراق وفلسطين، واوسمة الخدمة الطويلة، والحرب البريطاني، وملك بريطانيا للخدمة في سبيل الحرية، والاستحقاق السوري، والكومودور والارز اللبنانيين، والاستقلال المغربي، والاستقلال التونسي، والهمايوني، والتاج الايرانيين، واوسمة من بابا الفاتيكان، وبطريرك الروم في القدس، ووسام الصين الوطنية.

سعيد باشا الصليبي الفاعوري .. فارس من فرسان المرحلة الصعبة

|0 التعليقات

يعد حضور سعيد باشا الصليبي الفاعوري، في الذاكرة الوطنية، وفي التاريخ الاجتماعي والسياسي الأردني الحديث، واضحاً وعميق الأثر، فهو من فرسان المرحلة التي تكثفت فيها الأحداث، وغلب فيها تقلب الأحوال وتغير الدول، وتنازعتها صراعات إقليمية وعالمية، أدت إلى تغيير خريطة المنطقة العربية، وتشظي الحلم العربي بالوحدة والحرية.

هذا الامر   حتم على العرب خوض غمار معارك تحرر امتدت عدة سنوات إضافية، ضد التقسيم والاستعمار الغربي، وكانت القاعدة الحقيقية لهذا النضال، الرجال الأحرار من أبناء الأمة، بفضل حسهم الوطني، وانتمائهم العميق للقضايا القومية العامة، كما لعب هؤلاء الرجال الذين خبروا مراحل بالغة الصعوبة، وتصدوا لمؤامرات متلاحقة استهدفت الأمة ومقدراتها. وتبين سجلات التاريخ مدى تفاعل رجالات الأردن في الحراك السياسي النضالي، في المنطقة برمتها، فلقد شاركوا بمؤتمرات الرفض والصمود، في عدد من المدن العربية، وخاضوا معارك حاسمة، في الثورة العربية الكبرى والثورة السورية والثورة الفلسطينية، وفي الأردن تصدوا لسياسة الانتداب البريطاني، وبيع الأراضي للوكالة اليهودية.

كان سيعد باشا الصليبي من أبرز الزعماء العشائريين في السلط، فقد لعب دوراً اجتماعياً ونضالياً وسياسياً، استمر طوال سنوات عمره، وتجاوز بتأثيره ومشاركاته حدود الوطن، وظل مخلصاً لأفكاره وقيمه وما بدل ولا غير في يوم من الأيام، وهو المولود في مركز الحراك بمدينة السلط، التي شكلت لفترة ليست قصيرة، حاضرة من أهم حواضر جنوب بلاد الشام، وكانت المدينة الأكبر والأنشط وسط الأردن، منذ القرن الثامن عشر حتى إعلان عمّان عاصمة لإمارة شرق الأردن.

 فقد ولد في عام 1878 على أبواب القرن العشرين، ولم تكن أحوال الناس تلك الأيام جيدة، وقد استشرى الظلم والتعسف والإهمال، حيث مهدت هذه الأحوال لتحريك العرب باتجاه الثورة الشاملة. نشأ الصليبي في مدينة السلط، متمتعاً برعاية والده الذي يعد من أبرز رجالات البلقاء، فقد أعده والده للمهام الكبرى، عندما أولاه تربية خاصة، لا تختلف عن أقرانه، لكنه أدخله عالم الرجال والرجولة باكراً. ولأنه كان ميسور الحال، والبلاد تعاني ما تعانيه من ندرة المداس وعدم توفر المعلمين، عمل على استقدام شيخاً معلماً، ليقوم بتعليم أبنه سيعد تعليماً خاصاً في البيت، إدراكاً منه أن التعليم هو من أهم دعائم بناء مستقبل الأمة.

بعد أن أنهى دراسة الكتّاب المنزلية، الذي ناله خلال تعليم أولي تضمن القراءة والكتابة والحساب وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، لكنه لم يقف عند هذا الحد من التعليم، الذي كان كافياً حينها.

   رغب والده في أن يحظى سعيد بتعليم أكبر، وقد شجعه في ذلك ما تمتع به من ذكاء وفطنه وسرعة في التعلم، فالتحق بمدرسة الروم الأرثوذكس في حي الخضر بمدينة السلط، وكان دخوله للمدرسة مرحلة مهمة في بناء وعيه الوطني والقومي، فقد واصل دراسته فيها، حتى تمكن من إنهاء المرحلة الرشدية، وهي تسمية عثمانية لمرحلة تعليمية تعادل الابتدائية، حيث كان الدراسة تقسم إلى قسمين أو مرحلتين ابتدائية وثانوية، وكان من الطلبة المميزين في المدرسة، والذين لفتوا الانتباه لهم بتوقد ذكائهم، وقوة شخصيتهم، التي كشفت عن سمات الزعامة والقيادة في فترة مبكرة من العمر، وقد كون صداقات قوية مع عدد كبير من أبناء السلط في المدرسة، خاصة من أبناء السلط المسيحيين، فكان محبوباً ومقدراً من صغره.

التحق سعيد باشا الصليبي بركب الحياة العملية، بعد أن غادر المدرسة حاملاً شهادة المرحلة الرشدية، فاشترك مع أخوته في الأعمال والأنشطة التجارية، مستفيدين من الحركة النشطة في المدينة، التي كانت ذات صلات تجارية ناجحة، مع عدد من المدن كنابلس والقدس والكرك ودمشق، فكانوا أصحاب تجارة ناشطة وحضور اجتماعي فاعل، وقد نهل من مدرسة والده الكثير، حيث لمع اسمه شاباً متعلماً نسبياً قياساً بظروف تلك الفترة، ومشاركاً نشطاً في الفعاليات الاجتماعية والسياسية والعشائرية، فقد استقى من والده المعاملة الناجحة مع الناس، وكيفية حل قضاياهم ومشاكلهم، بتوخي العدل وتقديم المصلحة العامة على الخاصة. وقد تزوج بفتاة من عائلة الحمصي، وكان من ثمرة هذا الزوج أربعة أولاد: بهجت، عزت، رفعت، محمد، وابنة واحدة هي السيدة فائزة.

تمكن سعيد باشا الصليبي من بناء مكانته الاجتماعية، وتكريس حضوره الفاعل كأحد رجالات السلط الأفذاذ، فقد أنتخب رئيساً لمجلس بلدي السلط، وذلك عام 1918 خلال فترة الحكومة العربية في دمشق، وكان معه في عضوية هذا المجلس كل من: فرح أبو جابر، مصطفى الكردي، محمد الرشدان ومفلح المصطفى. وفي الدورة التالية من عام 1919 إلى عام 1920، تولى رئاسة مجلس البلدية بعضوية: فلاح الحمد، محمد صادق مهيار، صالح خليفة، عواد الكردي ومحمد رشدان. بعد خدمته في بلدية السلط كرئيس لمجلسها، لم يجد في نفسه غضاضة بالمشاركة في المجلس البلدي كعضو خلال الفترة 1925 – 1927 برئاسة نمر الحمود، وأيضاً خلال الفترة 1927 – 1928 و1929 – 1930 برئاسة عبد الله الداود.

عاد سعيد باشا الصليبي، وفاز بانتخابات رئاسة مجلس بلدي مدينة السلط عام 1947 – 1951، وعمل بمعيته في عضوية المجلس كل من: راجح المفلح، سري البسطامي، إبراهيم قطيش، عبد الله الفرح، محمد الساكت، عبد الحليم الحديدي وعبد الرحيم السالم الحياري، وكانت له لمسات واضحة في تنمية وتطوير مدينة السلط، والارتقاء بمستوى الخدمات، والعمل على توفير البنية التحتية الملائمة، التي تساعد في نمو المدينة واستيعاب أعباء توسع حددها وزيادة عدد سكانها، حيث عمل على الاهتمام بالتعليم بشكل خاص، مقدراً أهميته في خدمة مستقبل البلاد، مكان من أبرز إنجازاته في هذا المجال، خلال عمله رئيساً للبلدية، هو أن قام شخصياً بشراء لوازم بناء مدرسة السلط، من مدينة حيفا الفلسطينية حيث رافقه في هذه المهمة السيد علاء الدين طوقان، وقد ساهم جميع وجهاء السلط بجهود بناء المدرسة وتمويلها، حتى أصبحت رائدة المدارس في الأردن، وأول مدرسة ثانوية في شرق الأردن، حيث خرج الرعيل الأول وما تلاه من رجالات الأردن، في السياسة والاقتصاد والتربية، والمجالات الأخرى، كما عمل على شراء « ماتور « من مدينة بيروت، لضخ المياه من أجل تزويد أحياء المدينة بمياه الشرب بشكل بالطرق الحديثة.

تعددت الأدوار التي لعبها سيعد باشا، فكان من شيوخ البلقاء الذين تمتعوا بمكانة في مختلف مناطق البلاد، وكانت له كلمة مسموعة، ويدعى إلى كثر من المناسبات المهمة، فقد دعي للمشاركة في « الصلحة « بين قبيلتي بني صخر وبني حسن، والتي أقيمت في دمشق، وقد تحولت  الصلحة إلى مؤتمر سياسي، حيث صدر عنها بيان سياسي تضمن رفض تقسيم البلاد العربية بالإشارة إلى اتفاقية سايكس – بيكو، ورفض الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد طالب البيان بعودة ياسين باشا الهاشمي إلى عمله رئيساً لديوان الشورى الحربي.

 وكان الصليبي قد عمل في السابق لمدة قصيرة، مفتشاً في مالية مدينة الخليل. وفي فترة الحكومة العربية في دمشق، تم انتخابه عضواً عن السلط في مجلس الشورى في العهد الفيصلي، غير أن هذه الحكومة لم تعمر طويلاً، فقد حلت بعد احتلال الفرنسيين لدمشق، وقامت في البلقاء حكومة محلية لإدارة شؤون المنطقة، بعد الفراغ السياسي والإداري، حيث اختير عضواً في المجلس الشورى لهذه الحكومة، وهو المجلس الذي ترأسه متصرف السلط مظهر رسلان، وكان ذلك في شهر آب عام 1920.

خاض سعيد باشا الصليبي التجربة السياسية، وساهم في تأسيس هذا الحراك السياسي الوطني المبكر، حيث خاض انتخابات أول مجلس تشريعي أردني، وفاز عن مدينة السلط عام 1929، وفي مجال الأحزاب السياسية، فقد كان عضواً منتخباً في اللجنة التنفيذية لمؤتمر الشعب عام 1933، وأصبح نائباً لرئيس المكتب الدائم العام للجنة التنفيذية، وقد عرف عنه الكرم وطيب النفس والخلاق العالية والتواضع، وأولى إعمار السلط جل عنايته، ولم يركن للراحة في يوم من الأيام، حتى وفاته عام 1951، فكان بحق من فرسان المرحلة الصعبة ورجالات التأسيس الكبار.

بخيت الإبراهيم .. من رجالات الوطن البناة الأوائل

|0 التعليقات

لاشك أن الشيخ بخيت باشا الإبراهيم، بشخصيته المغايرة، وسيرة حياته المليئة بالأحداث المختلفة، والغنية بالإنجازات اللافتة، قد شكل حالة فريدة في التاريخ الاجتماعي والسياسي للأردن الحديث.

  لم يكن زعيماً عشائرياً أو رجل دين أو سياسياً وحسب، بل كان كل ذلك وأكثر، واستطاع أن يترك أثراً طيباً وعميقاً ليس لدى العشائر المسيحية فقط، بل كان أردنياً وطنياً بإمتياز، ولم يقتصر نشاطه على منطقة البلقاء التي ضمت السلط وعمان ومادبا وناعور، بل كان من رجالات الوطن الكبار، الذين لم يتخلوا عن دورهم في مكابدة مصاعب وعقبات مرحلة التأسيس، مدركين بوعيهم الفطري الفريد، أهمية دورهم في إيصال الأجيال القادمة إلى آفاق المستقبل المنشود، وأن يحولوا بينه وبين ما واجهوه من ظلم وشقاء كبيرين، إبان حكم الدولة العثمانية خاصة في مرحلتها الأخيرة، فزادتهم تلك الظروف القاهرة صلابة وإصراراً، على تقديم الأفضل لأبنائهم وأحفادهم ومن يأتي بعدهم، وقد تمكنوا من تحقيق ذلك بإخلاصهم وتميزهم بالعمل والفكر.

الشيخ بخيت باشا الإبراهيم السحاقات الدبابنة، كان من أبرز كوكبة رواد الوطن البناة الأبرار، وكان بحق مؤسساً في كثير من المجالات: الزراعية والدينية والعشائرية بالإضافة للجانب السياسي البارز.

  يعد من مواليد المرحلة الصعبة، التي أحاقت بها مخاطر ومظالم كبيرة، فلقد ذكر الدكتور هاني العمد الذي ترجم له في كتابه « السلط، ملامح من الحياة اليومية للمدينة « أن ولادته كانت في حدود عام 1867، وقد ولد في مدينة السلط التي كانت تعد واحدة من أكبر حواضر الأردن في تلك الفترة، وهو ينتمي إلى عشيرة السحاقات المسيحية، التي تعد فرعاً رئيسياً من عشيرة الدبابنة، وهي من العشائر الأردنية المسيحية الكبيرة، التي ضمت فروعاً عديدة،  عربية عريقة، و تعد من العشائر الغساسنة، وهي القبيلة العربية التي  هاجرت من اليمن إلى بلاد الشام، في أعقاب إنهيار سد مأرب في القرن الرابع الميلادي، وقد انتشروا في الأردن وحوران ولبنان وفلسطين، وقد كان ولا زال تاريخهم وحاضرهم مليء بالأحداث والإنجازات، وقدموا رجالاً في مختلف الميادين، مساهمين في حضارة الأمة وتقدمها.

نشأ بخيت الإبراهيم في كنف عائلته في مدينة السلط، التي كانت حاضرة البلقاء، ولم تكن أحوال الناس المعيشية جيدة، ولم تكن ظروف المدن كالسلط بأفضل حال من قرية في الأطراف اليوم، عند الحديث عن مؤسسات الدولة المدنية كالصحة والتعليم والأمن والقضاء، وغيرها من مظاهر الحياة المدنية.

  عندما بلغ بخيت الإبراهيم سناً مناسبة لتلقي العلم، التحق بالكتّاب في السلط، وفيه تعلم الكتابة والقراءة والحساب، بعض المعارف في حدود معرفة شيخ الكتّاب، الذي يدرس فيه الطلبة مسلمين ومسحيين معاً، وكان أن تلقي التعليم فيه لمدة عامين، وتلقى في هذه المدة تعليماً مكثفاً يعادل مرحلة تعليمية كاملة، فبعد أن تخرج من الكتّاب واجه الحياة بكل تفاصيلها وتعقيداتها، وكان صغيراً لكنه تصرف دائماً كرجل، مثل أطفال تلك المرحلة في شرق الأردن، وكان متديناً دون تعصب، وتلقى على ما يبدو معرفة جيدة بالدين، فقد كان له مساهمات واضحة في هذا المجال فيما بعد سجلها التاريخ له.

كان جزء من عشيرة الدبابنة تسكن بلدة ناعور، ولهم فيها أراضٍ زراعية كثيرة، وقد عمل بخيت الإبراهيم في مستهل حياته العملية، مشرفاً على الأراضي الزراعية في بلدة ناعور، واستقر فيها دون أن يغادر السلط مغادرة تامة، بل بقي يتنقل بينهما، حيث السلط على مرمى البصر من ناعور، وخلال هذه الفترة نشط الإبراهيم اجتماعياً، خاصة في المجالين العشائري والديني، حيث لمع اسمه داخل السلط ومحيطها، واسهم وهو ما زال شاباً يافعاً في حل عدد من المشاكل، وشارك في كثير من الأنشطة ذات الصبغة السياسية، حيث لفت النظر نحوه، فكان ذكياً ولماحاً، جريئاً وصاحب موقف وطني ثابت، هذا ما جعله يتقدم سريعاً ليصبح واحداً من الزعماء العشائريين، ووجهاء منطقة البلقاء المترامية الأطراف.

في مجال جهوده المبذولة في المجال الديني، برز من خلال دوره الرئيسي في تأسيس مذهب الروم الكاثوليك في السلط، ولم يكتف بذلك الدور التنويري، بل عمل على المساهمة في بناء الكنيسة الخاصة بهذا المذهب، وقد وضعه هذا العمل، في مكانة مقدرة لدى الناس، واكتسب محبة صادقة تزايدت بتزايد سنوات عمره، حيث عمل بالإضافة إلى ذلك عضواً في مجلس إدارتها، ونظراً لما تمتع به من خبرة واسعة، خاصة في مجال الأراضي والأعمال الزراعية، كان يتم اختياره وتكليفه بالتفتيش على الأراضي الزراعية الواسعة، وهذا العمل تطلب منه التنقل والحركة المتواصلة، تنقل خلالها على فرسه بين السلط وناعور وغيرهما من المناطق والبلدات، مما ساعده على توثيق علاقته بالمزارعين وأصحاب الأراضي، كما عمل على تمتين علاقته مع زعماء ووجهاء العشائر، فكان مقرباً من الناس من مختلف الفئات، وبمستوياتهم المختلفة.

تميز بخيت الإبراهيم بخبرته في مجال تخمين قيمة الضريبة على الأراضي الزراعية، لذا كثيراً ما يتم انتخابه في مجال التخمين الضريبي على الأرضي الزراعية والتجارية، ولعل هذه الأعمال المختلفة التي تميز بها، قد حققت له شهرة كبيرة ومكانة اجتماعية في أكثر من مكان. وقد تزوج بخيت بفتاة من آل المعشر، حيث نتج عن هذا الزواج من الأبناء: سليم الذي لمع في مجال العمل السياسي، وشارك في عدة أحزاب سياسية وطنية، وكان نائباً وعيناً ووزيراً، وسليمان الذي عمل مديراً في البريد والتفتيش، والياس الذي عمل في التجارة، أما نجيب فكان موظفاً في دائرة الأراضي، ومن ثم عمل في البنك العربي، وفي عام 1950 أسس مطحنة وعمل على تطورها، وأشرف على إدارتها.

  خاض الإبراهيم انتخابات أول مجلس تشريعي أردني، وقد تمكن من تحقيق الفوز عن لواء البلقاء، وقد انعقد هذا المجلس بتاريخ 20 / 4 / 1929، وكشف فوزه بهذه الانتخابات، عن حجم المكانة التي حظي بها بين الناس، وحبهم له نظراً لمصداقيته العالية، وعمله على خدمة ناسه ووطنه. وفي المجلس كان له مواقف مشهودة، حيث عارض المعاهدة الأردنية البريطانية، وقد حل هذا المجلس بسبب معارضة عدد من النواب لوجود مخصصات إضافية على موازنة 1930 / 1931.

 وكانتعائلة بخيت الإبراهيم  انتقلت  من السلط، لتستقر بشكل دائم في بلدة ناعور عام 1932، حيث أشرفوا على أراضيهم الزراعية، وكان لهم حضورهم المميز في ناعور، ولم تنقطع صلتهم بالسلط في مرحلة من المراحل.

كان بخيت الإبراهيم معروف بأنه صاحب رأي ثاقب وجريء، ومحبوباً ومميزاً بحسن أخلاقه، والتزامه الديني والوطني، ودفاعه عن الضعفاء والمحتاجين، وانحيازه الدائم للمزارعين، حيث كان محباً للأرض، ومقدراً لقيمتها التي لا تقدر بثمن، والانتماء لها هو انتماء للوطن والمستقبل المشرق، فكان من رجالات الوطن البناة الأوائل، الذين لم ينتظروا ثمناً لعملهم، فقد استمر الإبراهيم على نهجه، ولم يحد عنه لمصلحة أو غاية، ولم يبدل مسار حياته الذي نشأ وشب عليه، فهو لم يميز بين فقير أو غني، ولم يتعصب لعرق أو فئة أو طائفة، فأحبه كل من عرفه أو عمل معه.

تميز بخيت باشا الإبراهيم بعلاقاته وصدقاته العميقة والراسخة، فمن أصدقائه في مدينة السلط: يوسف السكر، نمر الحمود العربيات، محمد الحسين العواملة، إسماعيل العطيات وسعيد الصليبي وغيرهم، ومن عمان: عبد الرحمن ماضي، خيرو ديرانية، عبد الرحمن خليفة، رياض المفلح وغيرهم، ولم تقف علاقاته وصدقاته عند هذا الحد، بل شملت معارف وأصدقاء من شمال الوطن حتى جنوبه، وبقي ناشطاً دائم الحركة والعمل، حتى توفي فجأة في العاشر من كانون الثاني عام 1952، وقد شيع جثمانه إلى مثواه الأخير في مقبرة المصدار بعمان، وشارك في وداعه خيرة رجالات الأردن، ومواكب ممن أحبوه بصدق، بالإضافة لمسؤولين كبار في الديوان الملكي ورئاسة الوزراء ووزراء ونواب وأعيان.   
خاض الإبراهيم انتخابات أول مجلس تشريعي أردني، وقد تمكن من تحقيق الفوز عن لواء البلقاء،   انعقد   المجلس في نيسان 1929، وكشف فوزه بهذه الانتخابات، عن حجم المكانة التي حظي بها بين الناس، وحبهم له نظراً لمصداقيته العالية، وعمله على خدمة ناسه ووطنه. وفي المجلس كان له مواقف مشهودة، حيث عارض المعاهدة الأردنية البريطانية، وقد حل هذا المجلس بسبب معارضة عدد من النواب لوجود مخصصات إضافية على موازنة 1930 / 1931.
 وكانت انتقلت عائلة بخيت الإبراهيم من السلط، لتستقر  في   ناعور عام 1932،   وأشرفوا على أراضيهم الزراعية، وكان لهم حضورهم المميز في ناعور.

الحاج منصور الحياري عشق القرآن العظيم وتعلـَّق قلبه به منذ طفولته حتى مماته

|0 التعليقات

في عام 1927 م ولد منصور الحياري في مدينة السلط، وفي سن مبكـِّـرة حرص والده الذي كان يعمل بالتجارة على اصطحابه إلى مجالس علماء السلط وخاصة مجلسي الشيخ فهيم زيد الكيلاني والشيخ عبد الحليم زيد الكيلاني، فتعلـَّـق قلبه منذ نعومة أظفاره بالقرآن الكريم، ولم ينقطع قلبه عن التعلق بالقرآن الكريم حتى غادرنا إلى رحمة الله ورضوانه بإذن الله فجر يوم الجمعة التاسع والعشرين من رجب من عام 1429 / الأول من شهر آب من عام 2008 م وهويتحمل أمانة مسؤولية العديد من الجمعيات التي تهتمُّ بالقرآن الكريم وعلومه، رئيسا للجنة المركزية لشؤون المساجد، ومقررا عاما لجمعية الصالحين لتحفيظ القرآن الكريم، ومشرفا عاما على مسابقة حفظ القرآن الكريم التي كانت تقام سنويا في مسجد أبوقورة على مستوى المملكة.

بعد أن أنهى منصور الحياري دراسته الثانوية في مدرسة السلط الثانوية لم تسعفه الظروف بتحقيق حلمه بالالتحاق بالأزهر الشريف لدراسة العلوم الشرعية التي شغف بها من كثرة مجالسته للعلماء من مشايخ السلط ومن ضيوف السلط من علماء الأردن وفلسطين والشام ومصر والعراق، ولكن طموح الحياري إلى التعلم دفعه إلى الإقبال على مطالعة الكتب الإسلامية التي كان يستعيرها من مكتبة سري العالم البسطامي المجاورة لدُكـَّـان والده، في تلك الفترة كان الشيخ عبد الحليم زيد الكيلاني والصيدلاني عبد الحليم بدران وهما من مؤسِّـسي شعبة الإخوان المسلمين في السلط يتردَّدان على دُكـَّـان أبيه وكان يتأثر بحديثهما عن الجماعة وعن مؤسِّـسها الشيخ حسن البنا، ولم يلبث أن التحق بالجماعة ليصبح بعد وقت قصير عضوا في الهيئة الإدارية لشعبة السلط»1947 م»، وسرعان ما أخذ نشاطه يتمدَّد إلى خارج السلط متنقلا بين شعب الجماعة في عمَّـان والكرك وإربد والزرقاء ومعان ومادبا وجرش وعجلون حتى أصبح أحد أبرز دعاة وخطباء الجماعة، ولم يلبث أن أصبح في عام 1950 وهوالعام الذي التحق فيه موظفا في وزارة الزراعة عضوا في أعلى هيئة قيادية للجماعة في الأردن»المكتب العام»وشغل فيه مركز أمين السر العام، وفي تلك المرحلة كانت الجماعة بقيادة الحاج عبد اللطيف أبوقورة، وكان الحياري يُـكـِّـنُّ للحاج أبوقورة محبـَّـة صادقة تقديرا لإخلاصه وتجرُّده وما كان يبذله من وقته وجهده وماله في في أجل الجماعة، وتقديرا لقيادته متطوعي الإخوان الأردنيين في حرب فلسطين 1947 / 1948 م وبذله من ماله الخاص لتسليحهم، ويروي الحاج الحياري عن تجربته مع أبوقورة قائلا : عملت فترة طويلة مع الحاج عبد اللطيف أبوقورة، وكنت كأحد أبنائه، كان رجلاً مجاهداً ضحى بكل ثروته في سبيل الله، وكان على صلة وثيقة بالشيخ حسن البنا، وقاد بنفسه كتيبة الإخوان المسلمين في حرب 1948، وكان يستقبل مبعوثي الإخوان ويستضيفهم في بيته».

في عام 1953 م آثر الحاج عبد اللطبف أبوقورة بما عُرف عنه من تجرُّد وإيثار إخلاء موقعه في قيادة الجماعة، وعُرضت رئاسة الجماعة على القاضي نايف الخطيب فاعتذر، فوقع اختيار الإخوان على الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة النسور الذي كان يعمل مدَّعيا عاما في محكمة مادبا ليخلف الحاج عبد اللطيف أبوقورة في قيادة الجماعة، واستمرَّ الحاج أبوقورة في عضوية الهيئة التأسيسة للجماعة في مصر وعندما زار المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي الأردن في عام 1954 اصطحبه الحاج منصور الحياري في زيارة للحاج أبوقورة في منزله حيث شرح الهضيبي للحاج أبوقورة- بصفته عضواً في الهيئة التأسيسية للجماعة الأم- ظروف اختياره مرشداً عاماً.

في منتصف الخمسينيات أطلق الحاج منصور الحياري فكرة ضخ دماء جديدة في قيادات الجماعة في الأردن لإفساح المجال أمام شباب الإخوان الذين بدأوا يعودون إلى الأردن بعد إكمال دراساتهم الجامعية، ولم يلبث أن أتبع القول بالعمل فاستقال من عضوية المكتب العام للجماعة، ثمَّ توجـَّه إلى العمل الإسلامي العام فركـَّـز نشاطه في المؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس الذي كان الإخوان قد أسَّـسوه في عام 1953 م واختاروا الدكتور سعيد رمضان أمينا عاما له ثمَّ خلفه الأستاذ كامل الشريف بعد أن أضطرَّ الدكتور رمضان إلى مغادرة الأردن تحت ضغط الضابط الإنجليزي كلوب باشا الذي كان قائدا للجيش العربي الأردني والذي لم يلبث أن طرده الملك الراحل في منتصف الخمسينيات، وعندما أصدر الإخوان صحيفتهم»الكفاح الإسلامي»كان الحاج منصور من كُـتـَّـابها وكان متخصصا في التحليل السياسي لأحداث تلك المرحلة. 

يصف الحاج منصور الحياري أحد تلاميذه ومحبيه الصحفي الأستاذ فوز الدين البسُّـومي بقوله :»كما قضى منصور الحياري حياته صامتا متأملا وعابدا متبتلا لا يرد على لسانه الا ذكر الله والكلمة الطيبة رحل منصور الحياري عن هذه الدنيا الفانية بصمت، كانت دمعته على باب مقلتيه فما ان يسمع آية قرآنية من الإمام في الصلاة الداعية مسعود علي مسعود إلا ودموعه تسبقه على خديه، ولم يكن هذا ديدن منصور الحياري في الصلاة فحسب بل كان ديدنه في كل تعامله مع اخوانه واصدقائه وكل من يلتقيهم حتى ليخال المرء حين يرى أويسمع أويجتمع بمنصور الحياري انه نموذج فريد من البشر، نموذج من نماذج الاوائل الذين عاشوا بواكير الدعوة فأحبوها وساروا في ركبها».

ويصفه أحد محبيه الأستاذ عبد الله شبيب بقوله :»لقد عرفنا أبا الحسن منذ عرفناه في مطالع خمسينيات القرن الماضي عاملا للإسلام في أي ميدان يتاح له، مخلصا متفانيا في سبيل الله يُسابق في أعمال الخير والبرِّ وخدمة المساجد والقرآن وحفاظه وطلابه، عرفناه متواضعا خافض الجناح، لا يبحث عن شهرة ولا أضواء ولا بهرجة إعلامية شأن العاملين المخلصين المتجردين لله».

جعفر الشامي .. التميز في الظروف الصعبة

|0 التعليقات


شكلت حياة المهندس جعفر الشامي، حالة فريدة في تحدي الصعاب، ومواجهة الأوضاع المعيشية القاسية بالعمل والعلم والتميز، فلم ينعم بطفولة سهلة منعمة، ولم يتمتع في شبابه بمغريات الحياة، ولم يأخذه طيش تلك الفئة العمرية، فقد عانى مما عانى منه أبناء جيله في مرحلة بناء الدولة.

كان الفقر والحاجة لأن تتكاتف العائلة، بكافة أفرادها ومن مختلف الأعمار، من أجل مواجهة صعوبات الحياة، وتوفير مستلزمات العيش الكريم، ومتطلبات تعليم الأبناء، وهذا ما تمثل بشكل واضح، في مسيرة حياة المهندس جعفر الشامي، في مختلف المراحل، وهي الفترة الصعبة التي خرجت معظم رجالات الأردن في مرحلة التأسيس والمراحل التي تلتها.

ينتمي جعفر الشامي إلى عائلة سلطية، تعود بأصولها إلى عائلة الدبس الدمشقية، وهي عائلة معروفة في منطقة الميدان بدمشق، ولها تاريخ مشرف في النضال ضد العنصرية التركية في عهد الإتحاد والترقي، ودعم الثورة العربية الكبرى، ومعاضدة الحكومة العربية التي أسست في سوريا، وعلى رأسها الملك فيصل بن الحسين، ومع دخول الفرنسيين دمشق، وملاحقاتهم للعائلات الوطنية، التي رفضت وجودهم ودعمت الثوار، أضطر عدد منها للسفر إلى شرق الأردن والاستقرار فيها، وقد استقرت عائلة الدبس في السلط، التي شهدت حراكاً اجتماعياً وديموغرافياً كبيراً.

في مدينة السلط ظهر لقب « الشامي « كبديل لاسم العائلة، ومع الأيام سميت العائلة بالشامي، حيث سرعان ما اندغمت العائلة في النسيج الاجتماعي لمدينة السلط، ولعبت دوراً ملحوظاً في نهضتها، والجهود التي بذلت للمحافظة على تراثها العميق.

ولد جعفر الشامي في مدينة السلط عام 1925، وتشرب تفاصيل المكان منذ صغره، حيث لعب في حاراتها، ومارس شقاوات الطفولة الأولى، في شوارعها وأزقتها العامرة بالحياة والحركة، ولم تأخذه السنوات أبداً، فقد التحق بمدرسة السلط ودرس فيها المرحلة الابتدائية، وقد كان نبيهاً سريع التعلم، قادراً على تحصيل أعلى العلامات بذكاء، دون أن يمضي وقتاً طويلاً في الدراسة، فقد اعتاد منذ صغره، خاصة في العطل الرسمية والعطلة الصيفية، على مساعدة والده الذي كان صاحب أول كراج لتصليح السيارات في السلط، حيث تعلم الصنعة من والده، وأحبها إلى درجة أنها رسمت مستقبله العلمي والمهني بشكل واضح، وقد برع في مساعدة والده في هذا المجال.

حين انتقل والده إلى مدينة اربد، ليؤسس كسارة للحصمة، كان يلحق بوالده ليساعده في عمله كلما سنحت الفرصة، ومع ذلك لم يتخل عن مشروعه العلمي، فقد واصل دراسته الثانوية في مدرسة السلط الثانوية، وكانت هذه المدرسة تضم خيرة المدرسين من الأردن والمناطق المجاورة، وكان من المعلمين الذين أثروا في شخصيته بشكل كبير: حسني فريز، الشيخ حسن البرقاوي، جميل شاكر الخانجي وغيرهم من المعلمين الذين تميزوا بحسهم الوطني العالي، واهتمامهم بالقضايا الوطنية الكبرى، وقد نقلوا هذا الحس إلى طلبتهم، وكان جعفر الشامي أحد هؤلاء الطلبة، فقد تشبع بالروح الوطنية العروبية، وأصبح مهتماً بما يجرى على ساحات الوطن العربي الكبير، وشارك أساتذته وزملاءه عدداً من المسيرات والمظاهرات، التي خرجت منددة بالمؤامرة الغربية في فلسطين، منادية بخروج المستعمرين، واستقلال العرب ووحدتهم ضمن دولة واحدة قوية، من أجل إعادة الق الحضارة العربية لتواصل مسيرتها التاريخية.

أنهى الشامي دراسته الثانوية من مدرسة السلط عام 1945، وحاز علامات مرتفعة أهلته لدراسة التخصص الأكاديمي الذي يرغب فيه، ونتيجة تعلقه بالميكانيك منذ ورشة والده لتصليح السيارات في السلط، قرر السفر إلى القاهرة، والالتحاق بجامعة عين شمس بكلية الهندسة، حيث درس تخصص الهندسة الميكانيكية، وقد تخرج في الجامعة عام 1949، وخلال فترة دراسته في القاهرة، تواصل مع نخبة الشباب العربي المثقف، وأصبح أكثر قرباً من مجريات الأحداث السياسية، التي تسارعت في المنطقة العربية، بشكل ملحوظ ومثير للقلق، ومارس بعض الأنشطة الثقافية والسياسية التي نادت بالحرية والاستقلال. بعد تخرجه عاد المهندس جعفر الشامي إلى وطنه الأردن، ليباشر مشواره الجديد في الحياة العملية، وهو الذي تعود منذ صغره على العمل وتحمل المسؤولية، فتقدم للعمل بكل حماس ومحبة.

أختار المهندس جعفر الشامي الانضمام للقوات المسلحة الأردنية، مترجماً بذلك تعلقه بتراب الوطن، وإدراكه لضرورة الدفاع عنه، لما في ذلك من قوة ومنعة للعرب جميعاً، وبذلك أصبح أحد ضباط الجيش العربي الأردني، وقد خدم في الجيش حتى عام 1956، وقد رقي إلى رتبة رئيس - رائد – وخلال خدمته العسكرية، تمكن من تحصيل خبرات عملية كبيرة ومتنوعة.

وعندما خرج من الجيش العربي، عين في وزارة الأشغال العامة، حيث عمل مهندساً ميكانيكياً في دائرة الميكانيك، واستمر يعمل مهندساً في هذه الدائرة حتى عام 1965، عندما قرر مغادرة العمل الرسمي، والانخراط في العمل الخاص، حيث أصبح مديراً عاماً لشركة خاصة، وقد وفر له هذا العمل الاستقرار الوظيفي، الذي مكنه من القيام بأنشطة نقابية وسياسية واجتماعية متعددة، جعلت منه شخصية عامة معروفة ومؤثرة.

خاض جعفر الشامي انتخابات نقابة المهندسين، وفاز بمنصب نقيب المهندسين الأردنيين عام 1965، ونظراً لما تمتع به من شعبية كبيرة، وخبرة عملية ومواقف وطنية عروبية صادقة، تمكن من البقاء في منصبه هذا، مدة أربع دورات متتالية حتى عام 1974، وخلال فترة توليه منصب نقيب المهندسين الأردنيين، ولنشاطه الواسع على مستوى الوطن العربي، ولعلاقاته العديدة والعميقة، أنتخب عام 1970 رئيساً لإتحاد المهندسين العرب، مما مكنه من القيام بدور مؤثر على نطاق أوسع، بالإضافة لتحقيق مكاسب نقابية لمنتسبي نقابة المهندسين، حتى عد من أبرز من تبوأ هذا المنصب.

في أعقاب خسارة العرب لحرب حزيران عام 1967، ونظراً لانتمائه الفكري للقومية العربية، ورفضه للاستعمار الغربي، ومقاومته للاحتلال والظلم، شكل مع مجموعة من الشخصيات الحزبية والمهنية وشخصيات مستقلة ما سمي « التجمع المهني « وكان من نشطاء هذا التجمع، وقد تشكل هذا التجمع وفي هاجسه، البحث عن أسباب الهزيمة ومن أجل وضع إطار للعمل الوطني لمرحلة ما بعد الهزيمة، وكان جعفر الشامي أحد أعضاء الهيئة التأسيسية، ممثلاً لنقابة المهندسين، وقد لعب هذا التجمع دوراً بارزاً على الساحة الداخلية خلال الفترة بين عامي 1967 و1971، وأصبح اسمه التجمع الوطني المهني، حيث أسهم في امتصاص الآثار التي أفرزتها أحداث عام 1970، وكان لمقترحات التجمع صداه الإيجابي لدى الحكومة، حيث تبنت حكومة عبد المنعم الرفاعي معظم هذه المقترحات، وقد ضمت عند تشكيلها عدداً من الشخصيات المنضوية في هذا التجمع، منهم جعفر الشامي والشيخ عبد الحميد السائح وسليمان الحديدي داود الحسني.

تسلم المهندس جعفر الشامي حقيبة وزارة الأشغال، في حكومة الرفاعي التي شكلت في السابع والعشرين من شهر حزيران عام 1970، وفي عام 1978 اختير الشامي ليكون عضواً في المجلس الوطني الاستشاري، كما صدرت الإرادة الملكية بتعيينه عضواً في مجلس الأعيان عام 1989. وكان صاحب مبادرات اجتماعية كبيرة، فقد ترأس الجمعية الثقافية العربية، التي تأسست عام 1967، وتمخض عنها تأسيس مدرسة الرائد العربي، وبقي محباً للسلط مخلصاً لتاريخها وإرثها وناسها، فقد تشارك مع عدد من أبناء السلط، وقاموا بإنشاء مؤسسة إعمار السلط، التي تأسست عام 1982، من أجل الحفاظ على التراث المعماري لمدينة السلط، حيث ترأس مجلس إدارتها حتى عام 1995، واستمر يعمل وينشط في كافة المجالات حتى توفاه الله في الثامن والعشرين من شهر كانون الثاني عام 1998.

هزاع البراري

عبدالله مصطفى الداوود

|0 التعليقات
ولد في سنة 1890م تقريبا، في عائله ثرية ومتنفذة ومتعلمة، دخل الكتاتيب حيث تعلم فيها القراءة والكتابة بدأ عبد الله الداوود حياتة العملية وهو دون سن العشرين، عندما عين عضوا في بعض اللجان التي كانت معنية بالشؤون الزراعية والاقتصادية، وابرز هذه اللجان (لجنة الزراعة والتجارة عام 1919م ،لجنة التطوع عام 1919م، مجلس إدارة السلط عام 1921م، لجنة تدقيق كفاية من بهم القدره على الخدمة في الحكومة من مقاطعة السلط عام 1924م، وعضو لجنة إدارة مقاطعة السلط عام 1924م، وعضو لجنة تعمير طرق الكروم عام 1924م).

انتخب المرحوم عبد الله الداوود رئيسا لبلدية السلط لسنوات طويلة (1927-1930م) ،(1931-1936م)، (1937-1939م) ،(1939-1942م)، (1950-1955م)، (1957-1959م)، وقد انشأ في فترات رئاسته الأولى المسلخ وتوسعت المقابر وانشئت المراحيض العمومية وطبقت القرارات الخاصة بالحيوانات السائبه وتعدياتها على المزارع كما عولجت تلوثات المياه.

أثناء رئاسته للبلديه كان المجلس البلدي حريصا على تحصيل الرسوم اعتمادا على الاوزان والمقاييس والاعداد من الباعه، وكان المرحوم يفض المنازعات التي تنشأ بين باعة الخضار وملتزمي اقلام البلديه الاخرين والافراد، كما كان حريصا على توفير المتطلبات الاساسية من المواد الغذائية وكميات الفحم والكلس قبل تصديرها إلى عمان والمدن الفلسطينية، وكان المجلس مهتم بتقدير التسعيره لكثير من المواد الاستهلاكيه اليوميه وتعديلها كلما لزم الامر، اضافه إلى القيام بعمليات التفتيش للحد من الاستغلال وضبط الجوده وتحديد السعر ومتابعه المستجدات ومراقبة المخالفين وتغريمهم لردعهم، وفي حادث الزلزال الذي تعرضت له السلط، قام المجلس بعدة اجراءات سريعه للحد من نتائجه المدمره، حيث سارعت البلدية لتخصيص مبلغ مائة جنيه مصري وصرفه للامور العاجله الناتجه عن هدم البيوت من اجل شراء الاخشاب وتوفير الكميات اللازمة من الكلس لا صلاح هذه البيوت.

كانت قرارات المجالس البلدية التي تراسها عبد الله الداوود كثيره وذات مساس بحياة الناس اليومية وحياة الناس على المدى البعيد الا انه كان صاحب مبادرات من اجل اقامة مشاريع بعيده الاهداف سريعة المنفعة، ويمكن القول ان مشاريع البنية التحتية لمدينة السلط قد اسست في فترات رئاسته للبلديه سواء ماتعلق منها بمد اسلاك الهواتف أو فتح الطرق والشوارع والاحياء، كما تم خلال فترة رئاسته تنظيم امور البلديه في المزادات والمناقصات وكان المرحوم يتابع نتائجها ويوعز لمن يلزم بضرورة ايقاع العقوبات على المخالفين، وتدل الوقائع ان الرجل كان حريصا على المتابعة والسهر على راحة المواطنين وعلى صيانة المال العام والحفاظ على حقوق الاطراف جميعها.

في الجانب السياسي كان المرحوم على صله بالامير عبد الله مؤسس الدولة، حيث كان الامير يزوره ويسأل عنه وينام في بيته، وقد دعاه الحاج الداوود أكثر من مره لتناول طعام الغداء في بيته في السلط وفي وادي السير وياجوز وغيرها، كما زاره الملك حسين عندما افتتح محطة مياه السلط وكان المرحوم على صله بالكثير من المسؤلين منهم هزاع المجالي، وعبد المهدي الشمايله ،وعبد المجيد السلطان ،وفلاح المدادحه وغيرهم.

في عام 1928م نال الباشويه عندما كان رئيسا لبلديه السلط تقديرا لاخلاصه للبلاد والعرش الهاشمي كما منح وسامين الأول منهما وسام الاستقلال العالي الشأن من الدرجه الثالثه عام 1940م، والثاني وسام الاستقلال من الدرجه الثالثه بتاريخ7/1/1942م نظرا لشجاعته التي ابداها أثناء انقاذ تلاميذ مدرسة اللاتين عندما داهم السلط مطر غزير مفاجئ حيث دخلت الأمطار إلى صفوف الطلبه.

نشأت بين الحاج عبد الله الداوود وبين رجالات فلسطين وقيادتها روابط وطنية متيناذ كان بحكم نشأته وطنيا غيورا وقوميا مؤمنا بعروبته وإسلامه حيث كان مناصرا قويا للقضية الفلسطنية في كل مراحلها فعندما بدأ نشاط الاهلين بجمع التبرعات العينية والمادية انبرى بصفته رئيسا للبلدية بجمع التبرعات بواسطة اللجان المختلفة، ومن هذه اللجان لجنة سيدات السلط والتي كان الغرض منها جمع التبرعات لتوزيعها على العائلات الفقيرة والمنكوبة في فلسطين وقد فتح الحاج عبد الله الداوود ديوانه لاستقبال اللاجيئن عندما حدثت نكبة عام 1948م، حيث نزلت في ضيافته بعض العائلات المعروفه وشارك في جمع التبرعات ولجان الاسكان التي شكلت لايواء اللاجئين في منازل اهل السلط الذين رحبوا باخوانهم.

كان المرحوم عبد الله الداوود من رجالات السلط المعروفين والبارزين في المدينة وخارجها، وكان كريم النفس يساعد الفقراء والمحتاجين ويمد يد العون لهم وكان مضرب المثل في التحمل وطول البال، وكان يوزع راتبه كاملا طيلة عمله في البلديه على كل محتاج، وفي شهر رمضان كان يقيم الموائد لاطعام الفقراء والمساكين ويقوم بإصلاح ذات البين ويستقبل في ديوانه جميع فئات الشعب الصغير والكبير واعيان المدينة ووجوهها ويساهم في حل المشاكل واحلال الوئام محل الخصام وقد انتقل إلى رحمة الله بتاريخ 7/1/1960م

الايكونومس أيوب الفاخوري ... أول وآخر« خوري » يشارك في تأسيس حزب سياسي أردني

|0 التعليقات
يذكر د. هاني صبحي العمد في كتابه»أحسن الربط في تراجم رجالات من السلط»أن الخوري أيوب شوباش الفاخوري ولد في السلط في العام 1866م»في رواية أخرى العام 1857»ونشأ في كنف والده الشيخ شوباش الفاخوري الذي كان من رموز العائلات المسيحية في السلط وأحد رجالات البلقاء وفرسانها، ورُسم الخوري أيوب في السلك الكهنوتي في العام 1905م خوريا لطائفة الروم الأرثوذكس وأشرف على بناء كنيسة الطائفة في السلط، وشغل الخوري أيوب الفاخوري عضوية المجلس البلدي لمدينة السلط في العهد العثماني، وارتحل الى القدس في أواخر العهد العثماني ثمَّ عاد الى السلط بعد خروج الأتراك، وعندما تشكـَّـلت الحكومات المحلية في مناطق شرقي الأردن بعد قيام المحتلين الفرنسيين بالقضاء على الحكومة العربية بزالعامة الملك فيصل بن الحسين في دمشق شكّل زعماء قضاء البلقاء الذي كانت السلط عاصمته وكانت عمان ومادبا تتبعان له حكومة محلية أطلقوا عليها اسم»حكومة البلقاء العربية»تجسيداً للمشاعر العروبية التي كانت تغمر الشرق أردنيين في تلك المرحلة، وأجرت حكومة البلقاء العربية انتخابات العامة لاختيار مجلس تشريعي لمراقبة الحكومة ومحاسبتها أطلقوا عليه اسم»مجلس الشورى»، وأسفرت الانتخابات عن فوز الخوري أيوب الفاخوري والشيخ بخيت الابراهيم الدبابنة ممثلين للمسيحيين في السلط والشيخ ابراهيم الشويحات ممثلا للمسيحيين في مادبا، وفاز في الانتخابات الشيخ محمد الحسين العواملة (السلط)، والشيخ نمر الحمود العربيات (السلط)، والشيخ سعيد الصليبي الفواعير (السلط)، والشيخ اسماعيل السالم العطيات (السلط)، والسيد علي سيدوالكردي (عمَّـان)، والسيد سعيد المفتي حبجوقة القبرطاي (شراكسة عمَّان)، والمحامي شمس الدين سامي (شراكسة وادي السير)، والشيخ ماجد سلطان العدوان (الأغوار)، وبعد تأسيس الامارة الأردنية عيَّـنه الأمير / الملك المؤسِّـس عبد الله الأول بن الحسين كأول رئيس لطائفة الروم الأرثوذكس وحصل على لقب الأيكونومس وأصبح وكيلا للبطريرك في الضفة الشرقية ورئيسا لمحكمة الكنائس، وكان الخوري أيوب الى جانب عمله في الحقل الكهنوتي ناشطا في العمل الوطني ومن رجالات الحركة الوطنية الأردنية فشارك في معظم المؤتمرات الوطنية الأردنية، كما شارك في تأسيس حزب اللجنة التنفيذية لمؤتمر الشعب الأردني العام (حزب الشعب الالعام) الذي تأسَّـس في 6/8/1933م، وكان أحد المشرفين على بناء مدرسة السلط التي كانت المدرسة الثانوية الوحيدة في الأردن، ويذكر د. العمد أن الخوري أيوب الفاخوري كان على علاقة طيبة مع رجالات البلقاء وبقية المناطق الأردنية، وكان من رجال الاصلاح، ويصفه د؟ هاني العمد بأنه كان محبوبا من رجالات السلط المسلمين والمسيحيين وشيوخ العدوان وعلى صلة طيبة مع البطريرك ظميانوس بطريرك الروم الأرثوذكس في القدس، وأنه كان يُكثر في أحاديثه من ترديد عبارات»وحدوا الله»،»صدقوا وآمنوا بالله»،»الله وكيلك»، وكانت وفاته في السلط في العام 1966م عن مئة العام، وخرجت السلط عن بكرة أبيها في جنازته التي شارك فيها وفود من مختلف مناطق الأردن. 

ويذكر كتاب»قاموس العشائر في الأردن وفلسطين»لمؤلفه الباحث حنا عمَّاريأن عشيرة عشيرة الفواخرية»الفاخوري»المسيحية قدمت من لبنان الى شرقي الأردن في أوائل القرن السابع عشر الميلادي واستقرُّوا في السلط، ويشير الى أنهم كانوا يعملون في صناعة الفخار فعرفوا باسم مهنتهم»الفواخرية»، ويكتفي كتاب»الصفوة – جوهرة الأنساب – الأردن»لمؤلفه المحامي طلال بن الشيخ حسين البطاينه بالاشارة الى أن آل الفاخوري عشيرة مسيحية أصلها من لبنان قدمت الى السلط بالبلقاء واستقرَّت فيها، ويذكر الأديب المؤرِّخ روكس بن زائد العُـزيزي في الجزء الرابع من كتابه»معلمة للتراث الأردني»أن فواخرية السلط قدموا من لبنان الى السلط قبل ثلاثة قرون ونصف القرن، وأخذوا اسمهم من مهنة صناعة الفخار التي كانوا يعملون بها، ويذكر فريدريك. ج. في كتابه»تاريخ شرقي الأردن وقبائلها»أن فواخرية السلط ينتمون الى طائفة الروم الأرثوذكس وأنهم قدموا من لبنان الى السلط قبل ثلاثمائة العام»تاريخ تأليف الكتاب 1934م»وكانوا يشتغلون بصناعة الفخار فغلب الاسم عليهم.

رفعت سعيد الصليبي

|0 التعليقات

يعد الحديث عن شخصية المرحوم رفعت الصليبي حديثا عن واحد من أبرز رجالات الحركة الأدبية والشعرية في منطقة شرقي الأردن، فمنذ وقت مبكر برزت لديه نزعة الشعر والأدب وقادها في شبابه ورعاها حق الرعاية، فنهل من ينابيع الثقافة العربية وعزز مخزونه الثقافي بالقراءة والمطالعة الواسعة، وانكب على آثار كبار الأدباء وفحول الشعراء وراجع المعاجم اللغوية والموسوعات العربية مما كان له أثر كبير في شعره فنضم أنواع الشعر جميعها، فلانت له الأوزان وخضعت له الألفاظ ليمتاز شعره بالجزالة والمتانة والحلاوة مع المحافظة على الوزن والقافية. 

ولد المرحوم رفعت سعيد المصطفى نصر الله الصليبي الفاعوري بمدينة السلط عام 1916م في عائلة كريمة ذات جاه ونفوذ وقد شكل عام 1916 حدثاً هاماً في ذاكرة العرب أجمع كونه العام الذي قامت به الثورة العربية الكبرى (ثورة العرب ضد الظلم والاضطهاد) والتي فجرها الشريف الحسين بن علي شيخ العرب أجمع، حيث ثار على الظلم وعلى ممارسات حزب الاتحاد والترقي فأطلق رصاصته الأولى معلناً بذلك قيام الثورة العربية الكبرى. ووالده المرحوم سعيد الصليبي يعد من أبرز رجالات مدينة السلط في مجالات السياسة والتجارة، بدأ نشاطه السياسي عام 1920 عندما قام بالمشاركة في المؤتمر السوري العربي ممثلاً عن منطقة البلقاء وكان من وجوه البلقاء والسلط التي حضرت إلى دمشق لحضور إجراءات الصلح بين عشائر الصخور وبني حسن وقد تحول هذا الاجتماع إلى اجتماع سياسي حيث أصدر المشاركون فيه بياناً سياسياً تضمن احتجاج أهالي البلقاء ورفضهم لمؤامرة تجزئة البلاد العربية والتعرض لاستقلالها. 

انتمى رفعت الصليبي لعائلة معروفة وقد تحدث دولة السيد عبد الرؤوف الروابدة في كتابه معجم العشائر الأردنية عن عشيرة الفاعوري قائلاً: «هي واحدة من العائلات العريقة في مدينة السلط، جدهم هو أحمد الجغبيري الرفاعي الحسيني وهم والقطيشات من نفس الجد وقد هاجروا من الجزيرة العربية إلى الخليل ثم استقروا في السلط منذ أربعة قرون، أسس العشيرة في السلط محمد بن أحمد الجغبيري الذي أنجب فاعور وهيشان وعساف ويسكن الفواغير والقطيشات في السلط وعين الباشا وإربد ومأدبا وفروعهم القطيش ونصر الله ونوفل وحسين والصبح والمرعي والمفلح والخشمان والطاهات والليات والجنيدي وعبد المهدي». اعتنت عائلة المرحوم رفعت الصليبي بالعلم وهذا منحه الفرصة للقراءة في وقت مبكر والاعتناء بالثقافة وخير مثال على ذلك هو قيام والده المرحوم سعيد الصليبي وبالتعاون مع رجالات السلط ببناء مدرسة السلط الثانوية لتكون أول مدرسة ثانوية في شرق الأردن. التحق رفعت الصليبي شأنه شأن أبناء جيله بكُتَّاب الشيخ عبد الحليم زيد الكيلاني ثم التحق بمدرسة مختلطة في شارع الدير، لينتقل بعد ذلك إلى مدرسة ابتدائية مقرها بيت (الرهوان) بالجدعة الوسطى وتابع دراسته أيضاً في مدرسة التل (المدرسة الثانوية) وقد تخرج في مدرسة السلط وتلقى تعليمه على أيدي أساتذة جهابذه منهم حسن البرقاوي، محمد أديب العامرين لطفي عثمان، صبحي حجاب، سعيد البحرة وغيرهم. ويذكر محمد نزال العرموطي أن مدرسة السلط الثانوية لم تكن مدرسة تقليدية فقد كانت تعقد ندوات الوعي ومساجلات شعرية وحفلات سمر ومباريات أدبية وحوارات عالية المستوى بالإضافة إلى مادة المقرر المدرسي ويمتلك المعلم الثراء الثقافي بحكم تخصصه في جامعات خارج الوطن فهو مثقف شمولي وقائد تفكير، لذلك سادت ثقافة الحس الجماعي ومعالجة الهم الوطني العام، فمجتمع الطلبة جائع للمعرفة يتلقف المعلومة ويلتهم الجديد من الأفكار، كان الطلبة شباباً في وعي الرجال، وفي صباح اليوم المدرسي يبدأ المشروع الثقافي الأردني، فيتسلح الطلبة بثوابت الثورة العربية الكبرى ومبادئها في التحرر والاستقلال ويقفون بقامات مستقيمة مرفوعي الرؤوس ينشدون أناشيد الوحدة العربية. 

عُرف رفعت صليبي ومنذ صغره بسعة أفقه فكان على الدوام شارداً في عالمه الخاص الذي رسم أطره واختاره لنفسه فكان والده يسميه بالملاك بكل ما يحمل هذا الاسم من معاني التقاء والصفاء والبراءة والحُسن. 

انتقل رفع الصليبي إلى دمشق ليكمل دراسته الجامعية فدرس الحقوق في جامعتها وتخرج فيها سنة 1936م وعندما عاد إلى بلده قام بتأسيس منتدى أدبي في مدينة عمان وكان يترأس الندوات الأدبية عامةً والشعر خاصةً وهذه الندوات كانت تضم نخبة من أدباء البلاد أمثال: مصطفى وهبي التل وحسني فريز وعبد الحليم عباس وناصر الدين الأسد ومحمد سليم الرشدان وصبحي القطب وغيرهم الكثير.

قام المرحوم الصليبي وبالاشتراك مع شاعر الأردن عرار بتأسيس مكتب للمحاماة جمعهما معاً ثم صدرت إرادة الأمير عبد الله بن الحسين بتعيين الصليبي مساعداً للنائب العام وهذا مهَّد الطريق أمامه ليصبح قاضي صلح عمان ثم نقل ليصبح نائب رئيس محكمة إربد وكان نائباً لرئيسها بهجت التلهوني وقد ترقى ليصبح قاضي أراضي بالدرجة الخاصة، وقد قام خلال عمله هناك بتعديل وصياغة الكثير من القوانين والمواد المتعلقة بدائرة أراضي عمان. وخلال فترة عمله عُرف الصليبي بنزاهته المطلقة وترفعه عن صغائر الأمور، فهو صاحب هيبة ووقار، وحول دماثة أخلاق رفعت الصليبي تحدث الأستاذ خالد الساكت قائلاً: لعل الخط البارز في حياة الصليبي هو تلك الحساسية البارزة إزاء قضايا الكرامة فتراه في حياته اليومية هادئاً صامتاً قليل الاختلاط بالناس حتى إذا ما أحس أن هناك ما يمكن أن يمس كرامته من قريب أو بعيد يثور ثورة لاهبه في حين تراه يفيض عذوبة ورقة وتسامحاً مع كل موثوق وطيب وقد كان ذا خلقاً طيباً رفيعاً صلباً ومترفعاً، كان ذا هيبة ووقار فأنت في حضرته تحس أنك أمام زعيم على الرغم من دماثته وسماحته ورقته، والحياة بالنسبة إليه لم تكن ذات أهمية بل اعتبرها مرحلة يعيشها الفرد لوقت لقاء ربه وخير مثال على ذلك هو قيامه بالتنازل عن نصيبه الكبير في إرث والده لأخته عندما قررت العائلة حرمانها شأنها شأن كل العائلات في ذلك الوقت فقام الراحل الصليبي بإسراع إجراءاته القانونية والتي تفرضها عليه معاملة التنازل هذه. 

نضّم رفعت الصليبي الشعر في وقت مبكر وقد عُرف شعره بوضوح الأسلوب وحسن التعبير وبرزت العاطفة الصادقة ونظمه للشعر كان يهدف من ورائه التعبير عما يجول في نفسه من خواطر وجدانية ووطنية، وقد تحدث الأستاذ هزاع البراري قائلاً: كانت علاقة الصليبي بالشعر متجذره منذ الشباب الباكر فهو لم ينقطع عن نظم الشعر في جميع مراحل عمره، وفي جامعة دمشق كان له حضور أدبي بارز وبرز كشاعر ومتحدث باسم الطلبة الأردنيين وذلك مكنه من التواصل مع عدد كبير من الشخصيات العربية والنضالية حيث كانت سوريا تواجه الاستعمار الفرنسي، وقد لعب المثقفون الأردنيون في دمشق دوراً بارزاً في الحركة النضالية التنويرية، ولجأت كثير من الشخصيات السورية إلى الأردن بهدف تأمين الحماية لهم والدعم المادي والمعنوي. 

كان للأديب والسياسي والشاعر رفعت الصليبي العديد العديد من القصائد والمقالات قام الدكتور سحبان الخليفات بجمعها وإخراجها في ديوان يحمل اسم: (رفعت الصليبي: قصائد ومقالات) وقد أظهرت قصائده مدى حبه وتعلقه بطبيعة السلط الخلابة وتوحده معها فيقول: 

مرابع فيها من شبابي بعضه وفي هيكلي من مائها ومن الثرى

وحول اهتمامات الصليبي بالشعر والأدب تحدث الدكتور هاني العمد قائلاً: يبدو أن اهتمامات رفعت الصليبي قد ظهرت في وقت مبكر فقد عكف على حفظ دواوين بعض الشعراء من أمثال: عمر بن أبي ربيعة وأبي نواس والبحتري والمتبني والمعري وشعراء الموشحات الأندلسية وغيرهم كما يبدو أنه نظم الشعر وهو على مقاعد الدراسة، وعرضه على أساتذته، فشجعوه وكان من زملائه في المدرسة: صبحي الحسن، وعبد الرحمن خليفة وبهجت التلهوني وميخائيل الصالح وضيف الله الحمود وغيرهم، ويمثل حبه للسلط أحب البلاد العربية مثل: لبنان ودمشق وفلسطين وسوريا فوصفها أجمل الأوصاف وحباها بأروع قصائده. كما اعتنى بالرثاء، فرثى مصطفى وهبي التل، وعبد الله النمر وإبراهيم طوقان والملك غازي، وقد جرب الصليبي أشكالاً مألوفة من القصيد مثل الغنائيات والأندلسيات إلى جانب اهتمامه بالأغراض التقليدية وإن حاول أن يعكس نفسه من خلال قصائده. 

كان المرحوم رفعت الصليبي مولعاً بالصيد وكان هذا الولع سبباً في موته شاباً في منطقة غور الصافي، عندما أصيب بطلقة طائشة في 19/11/1952م فقتل على الفور وأحضر جثمانه إلى مدينة السلط وقد دفن في مقبرة الجادور وقد خرجت المدينة لتودعه وقدم أصدقاؤه ومعارفه من جميع أنحاء البلاد وكان الحزن عليه كبيراً وكان عمره عند وفاته بالكاد يصل للسادسة والثلاثين وقد مات بعد والده بسنة واحدة رحمها الله. 

وقد تحدثت الأدبية سميحة خريس عن شخصية المرحوم رفعت الصليبي قائلة: لم يحظ رفعت الصليبي باهتمام كبير على مستوى الدارسين في الأردن عدا عن غيابه التام على الصعيد العربي، ما عدا قصيدة واحدة وضعت في المنهج الدراسي له، ثم دراسة قدمها الشاعر خالد الساكت بعد رحيل الصليبي لتكون مقدمة لديوانه الذي لم ير النور قبل عام 1978م حين أدرجت وزارة الثقافة الديوان على قائمة منشوراتها التي تناولت التراث الأردني وقد قدم للديوان في دراسة محققة د. سحبان خليفات مشيراً إلى مكانة الشاعر الاجتماعية وإلى رصيده من الإبداع والمناصب التي تقلدها، وباذلاً جهداً طيباً في البحث عن المؤثرات التي كشف عنها قصيدة، وجاء في ترجمة الدكتور عيسى الناعوري أن الصليبي كان شاعراً مطبوعاً هادئ الشعر لطيف العبارة، أما د. خليفات فيرى أن المنية اخترقته ولم تظهر كنوز الكلمة عنده بعد، وتحدث عن جزالة اللفظ عنده، وتأثره بأعلام الشعر العربي مثل عمر بن أبي ربيعة وأبو نواس والبحتري وأحمد شوقي ولعلنا نلمح هنا تعاطفاً مادحاً أكثر منه موقفاً نقدياً باحثاً. 

لقد بقيت قصائد وأشعار ومقالات وخواطر رفعت الصليبي شاهداً على براعة أديب رحل في وقت مبكر من عمره وبرحيله فقد أضاعت الأجيال أدباً جماً ونتاجاً يؤطر الحركة الثقافة والأدبية في الأردن ولكن أعماله رغم قلتها ومحدوديتها إلى أنها تبقى في الذاكرة وسيرته حاضرة أمام العيان.

محمد الحسين العواملة

|0 التعليقات


بعد نجاح المحتلين الفرنسيين بتواطؤ مع حلفائهم الإنجليز في إسقاط الحكومة العربية الفيصلية في دمشق التي كانت مناطق شرقي الأردن تابعة لها حاول المحتلون الإنجليز فرض سيطرتهم إداريا على مناطق شرقي الأردن فتصدَّى أهالي شرق الأردن للخديعة الإنجليزية فشكـَّـلوا عدة حكومات محلية كان من بينها حكومة السلط المحلية لتتولى رعاية شؤون منطقة السلط التي كانت تضم إدارياً السلط وعمان ومادبا ، وكان الشيخ محمد باشا الحسين ( 1880 ـ 1941 م ) واسمه الكامل كما ورد في كتاب ( أحسن الربط في تراجم رجالات من السلط ) للدكتور هاني صبحي العمد " محمد باشا يوسف الأحمد الحمدان العواملة " أحد ممثلي السلط في مجلس الشورى الذي انتخبه الأهالي لتسيير أمور الحكومة المحلية التي كانت برئاسة مظهر رسلان متصرف قضاء البلقاء في عهد الحكومة العربية الفيصلية التي أسقطها المحتلون الفرنسيون ، وكان الشيخ محمد باشا الحسين العواملة من رجالات الحركة الوطنية العربية الذين كانوا يتصدَّون للظلم الذي كان يوقعه بالعرب الفريق جمال باشا السفاح الذي كان ينفذ سياسة حكومة حزب الإتحاد والترقي التي كانت تسيطر على الدولة العثمانية في أواخر سنواتها والذي كان معظم قادته من يهود الدونمة والماسونيين وكان الشيخ واحدا من المئات الذين حكم عليهم جمال باشا السفاح بالإعدام ، وبعد خروج العثمانيين الأتراك من شرقي الأردن وغيرها من البلاد العربية وقعت شرقي الأردن وفلسطين تحت سيطرة المحتلين الإنجليز الذين نكثوا بعهودهم للعرب بمساعدتهم في إقامة دولة توحد أقطارهم تقديرا لوقوف العرب إلى جانيهم ضد الدولة العثمانية ، كان الشيخ محمد باشا الحسين العواملة من نشطاء الحركة الوطنية الأردنية التي تصدَّت الحركة الوطنية الأردنية للإحتلال البريطاني لشرقي الأردن وفلسطين وأخذت تعمل على طرد الإنجليز بسبب دعمهم للعصابات اليهودية تنفيذا لوعد الحكومة البريطانية لليهود بمساعدتهم على إقامة وطن قومي لهم في فلسطين ( وعد بلفور ) الذي أصدره وزير الخارجية البريطاني اللورد بلفور .

خالد الساكت .. ناسك الحياة وضمير الأدباء

|0 التعليقات


أطل الشاعر والسياسي خالد الساكت، على الدنيا من رابية عالية من روابي مدينة السلط العريقة، وكأنه جاء محملاً برؤاه الخاصة للإبداع والحياة، فكان من خلال مسيرته الحياتية والأدبية والسياسية، قد ثبت اختلافه مع السائد، وثورته الداخلية الرافضة للواقع الماثل الذي آل إليه العرب، منذ انقضاء الربع الأول من القرن الماضي، وهو العروبي الذي تجذرت فيه القومية العربية منذ نعومة أظفاره.

صاحب مبدأ لا يحيد عنه، عرف بمواقفه الواضحة، والمعاكسة للتيار في كثير من الأحيان، تميز بالجرأة والمصداقية، والمقدرة على تحمل نتائج هذه المواقف الثابتة.

وقد عبر عن أفكاره، من خلال توجهاته السياسية والفكرية، التي برزت في شعره وكتاباته الصحفية والنثرية، وعن طريق المواجهة المباشرة مع عدد من المسؤولين، الذي عمل معهم أو اصطدم به خلال حياته العملية.

ولد الساكت عام 1927، في مدينة السلط التي كانت بؤرة النشاط التجاري، ومركزاً علمياً رائداً، توج بتأسيس مدرسة السلط الثانوية، الأولى في الإمارة، وقد واكب الساكت منذ ولادته، مرحلة تأسيس الإمارة، فنشأ وسط عائلة معروفة في السلط، متوسطة الأحوال المعيشية، فوالده كان تاجراً بسيطاً، وقد كان صاحب دكان صغيرة في المدينة.

أتاحت الظروف، أن يتمتع بطفولته كسائر أبناء السلط ..يلهو في حاراتها ويلعب في أزقتها، ويرافق والده خلال عمله في الدكان، وقد أرسله والده إلى الكتّاب، ليتعلم القراءة والكتابة والحساب، وقد عوضت الكتاتيب في تلك المرحلة قلة المدارس، وندرة المدرسين، وتميز بالذكاء وسرعة البديهة منذ سنواته الأولى، تمكن من حفظ القرآن الكريم، وهو في سن الخامسة، وقد كان هذا دليل على قدراته المتميزة.

التحق خالد الساكت بالمدرسة الابتدائية في السلط، وكان من الطلبة اللافتين، الذين حظوا بإعجاب وتقدير المعلمين، وقد أظهر حباً كبيراً للقراءة بعمر مبكرة، حتى أن والده كان يرقب برضا، حصول خالد على النقود من الدكان، خلال مساعدته له، ليشتري بها كتبا يقرأها، وقد شجعه والده على القراءة، ودعمه لمواصلة دراسته، فبعد أن أنهى دراسته الابتدائية والإعدادية، انتقل إلى مدرسة السلط الثانوية، من أجل إكمال دراسته، وقد تتلمذ في هذه المدرسة على يد خيرة من التربويين، الذين كان لهم دور كبير، في بناء الأردن الحديث في مختلف الميادين منهم: محمد أديب العامري، وصفي التل، حسني فريز، حمد الفرحان وخليل السالم، وكان لهذه النخبة أثرها العميق في بناء وجدانه، وتوجهاته القومية وإيمانه بالوحدة العربية، وقد شارك بالمظاهرات والمسيرات، التي كان يقوم بها طلبة المدرسة، المناهضة للاستعمار الغربي، والمحذرة من تدهور الأوضاع في فلسطين.

حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1944، حيث مكنته هذه الشهادة، من الدخول إلى الحياة العملية بثقة كبيرة، وهو الذي آمن على الدوام، أن حفظ الوطن وخدمته، يصب في الحلم الكبير، وهو الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، فتم تعيينه في وزارة الصحة، وقد عمل موظفاً في هذه الوزارة حتى عام 1948، حيث غادرها منتقلاً إلى وزارة الخارجية خلال الفترة من عام 1948 إلى عام 1952، وكان الساكت جريئاً لا تأخذه في الحق لومة لائم، ويجاهر بآرائه بوضوح، وبروح ساخرة أحياناً، لذا لم يكن من أصحاب الحظوة لدى المدراء والمسؤولين، وقد دفعه فكره القومي، للانتساب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، وقد كان لأفكار ونشاطه السياسي، أن أدخلته السجن غير مرة، وتم الاستغناء عن خدماته أكثر من مره، غير أن هذه الأحداث لم تغير من مواقفه، ولم تخفف من جرأته.

أكمل خالد الساكت دراسته الجامعية، في جامعة الأزهر بالقاهرة، وقد تمكن خلال وجوده في مصر، من التواصل مع عدد كبير من الأدباء المصريين والعرب، وبالأخص الشعراء، الذين ارتبط معهم بصداقات متينة استمرت سنوات طويلة، من أمثال فاروق شوشه، رجاء النقاش، أبو المعاطي أبو النجا، أحمد عبد المعطي حجازي، وصلاح عبد الصبور، وفي المقابل كانت له صداقات خاصة ومتميزة في لبنان، منهم الشاعر الكبير ادونيس، خليل الحاوي، عصام العبد الله، وعدد من رموز الثقافة العربي من أمثال محمد الفيتوري، مما يدلل على المكانة الكبيرة التي تمتع بها خالد الساكت محلياً وعربياً، فهو شاعر رصين، عبر عن هموم المواطن العادي، وكان لسان حال النخب المثقفة، واتسم شعره بالرؤية الثاقبة، والهواجس الوطنية والقومية، فهو لم يغادر هذه المنطقة طيلة حياته.

وقد ترك خالد الساكت حزب البعث، عندما اكتشف تحول الفكرة القومية، إلى فكرة مصلحية ضيقة عند عدد من قيادات الحزب، فاستقال منه، لكنه لم يتخل عن فكره القومي. وقد تمكن من دراسة الماجستير، تخصص علم النفس التربوي، في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نال درجة الماجستير هذه عام 1963، وكان قبل ذلك قد بدأ العمل في وزارة التربية والتعليم، حيث قضى فيها أطول فترة، حيث عمل مدرساً في مدرسة السلط الثانوية، فقد عشق التعليم وكان العمل الأقرب إلى نفسه، فكان له تأثير في جيل وأكثر من طلبة مدرسة السلط، وكذلك مدرسة كلية الحسين في عمان، وقد تدرج في وزارة التربية والتعليم من مدرس إلى أن أصبح مستشاراً للوزير، وكان يعبر عن هذا المنصب بروحه الساخرة: ( أنا المستشار الذي لا يستشار ).

تم تعيينه مستشاراً ثقافياً في السفارات الأردنية في كل من دمشق وبيروت والجزائر وليبيا، فكان بمثابة وزارة ثقافة متنقلة، حيث تمكن من استقطاب رموز الأوساط الثقافية والعلمية في هذه البلدان، وتواصل مع المثقفين العرب، وكان حاضراً ومشاركاً في الندوات والمؤتمرات الثقافية التي أقيمت في تلك الدول. وعُرف الساكت بعنده وصلابة موقفه وزهده بالحياة، فقد كان على علاقة وثيقة بدولة المرحوم وصفي التل، حيث عرض عليه منصباً وزارياً، فاعتذر الساكت كونه لا يتقن المجاملات على حد قوله. وقد شكلت فلسطين محور اهتمامه، فقد حمل قضيتها في مواقفه المختلفة، في حين أثرت فيه حرب الخليج الثانية تأثيراً كبيراً، وأصابت حلمه بالوحدة العربية في العمق، وقد ظهر ذلك جلياً في شعره الذي واكب هذه المرحلة.

ورغم دخوله السجن مرتين، وتم فرض الإقامة الجبرية عليه ثلاث مرات، لأفكاره ومواقفه، فقد عرف بإخلاصه للوطن، وتفانيه في العمل، وهو الذي عمل في أكثر من موقع، فبالإضافة وزارت الصحة والخارجية والتربية والتعليم، عمل في وزارة العدل، والإذاعة والتلفزيون في فترة إدارة وصفي التل، مشرفاً على برنامج ( مع أدبنا الجديد ) مع زميله المرحوم الشاعر عبد الرحيم عمر، وكان الساكت له دور كبير في تأسيس مكتبة أمانة عمان، من خلال تمكنه من تحصيل منحه ألمانية لتأسيس هذه المكتبة، التي تعد الآن درة قلب العاصمة عمان. وخلال حياته الأدبية والصحفية، نشر عدداً كبيراً من الدواوين الشعرية، والمقالات والكتابات النثرية، بالإضافة لسيرته الذاتية، التي نشر أجزاءً منها في جريدة الرأي الأردنية، ومن دواوينه الشعرية: لماذا الحزن 1975، لماذا الخوف 1983، المخاض 1987، الذي يأتي العراق 1992، الأنهار والشمس 1992، عبوس وشموس 1993، الزلزال قادماً 1993، تستيقظ القبور 1994، والمسيرة 1996، وفي النثر أصدر ( مرايا صغيرة في جزأين، وكتاب ( لكي لا تتذكر )، و( المساعد في الإعراب ) بالاشتراك مع روكس بن زائد العزيزي، وله مخطوطات تنتظر التحقيق والطبع. وبعد حياة حافلة بالعطاء والمواقف الصادقة، توفي الشاعر والأديب الكبير خالد الساكت، في 14 حزيران عام 2006، وترك برحيله فراغاً كبيراً، ويتعاظم فقده مع مرور الأيام، لكنه ترك لنا إرثاً إبداعياً وفكرياً لا يفنى، فقد سطر اسمه مع كبار الأدباء العرب، وسيبقى أحد رموز الحركة الثقافية الأردنية، التي تنظر لحياته ومنجزه بعين التقدير والإجلال.

جمال الشاعر .. الطبيب الفذ والسياسي المخضرم

|0 التعليقات


كانت ولادته عام 1928، وقد نشأ نشأة أبناء السلط البسطاء، وسط أسرة مسيحية اتصفت بالعراقة، والانتماء الراسخ للقيادة والوطن، وهي الأسرة التي انفتحت على آفاق قومية، تنافح عن قضايا الأمة، وتطالب باستقلالها ووحدتها، وقد اتصف الشاعر منذ صغره بحس المبادرة، والوعي السابق لسنوات عمره .

كان الطبيب والسياسي جمال الشاعر، على موعد مع المفارقات الكبيرة التي طبعت مرحلته، وتركت سماتها الخاصة على المنطقة برمتها، وشكلت ملامح رجالات تلك المرحلة، فلقد كانت البلاد تمر بمخاضات سياسية واقتصادية، وتحولات اجتماعية تكاد تكون جذرية، منذ بُعيد التأسيس وحتى سبعينيات القرن الماضي.

ويمكن اعتبار مراحل حياة هذا السياسي اللامع والطبيب الرائد، انعكاساً ناضجاً لواقع النخبة السياسية المثقفة، التي بدأت بالبروز منذ أخذت مدرسة السلط الثانوية، على عاتقها رفد الساحة المحلية بالخريجين، الذين اندغموا في الوظائف الرسمية، ومنهم توجه إلى الجامعات والمعاهد العربية والغربية، بغية تحصيل مزيد من العلم والمعارف الجديدة، وكان جمال الشاعر احد هؤلاء الرواد انطلق جمال الشاعر، من بؤرة الحراك الاقتصادي والعلمي في الأردن في تلك المرحلة، فلقد ولد في السلط المدينة الأبرز في مرحلة التأسيس الأولى، ومركزها التجاري والعلمي، وقد واكب ذلك حراك ديموغرافي واسع النطاق.

ولم تكن السلط عنده مسقط الرأس وحسب، بل هي مهد الطفولة، ومرتع الشباب الباكر، فكانت عنده الحضن الكبير، الذي ألهمه رؤيته الخاصة اتجاه الحياة والمستقبل، حيث تلقى فيها معارفه ومارس فيها شقاوته، وشهدت أولى اشتباكه مع الواقع والظروف السياسية، مما مكنه من بناء وعيه العميق الذي رسم منهج حياته الحافلة بالتحولات والإنجازات.

كانت ولادته عام 1928، وقد نشأ نشأة أبناء السلط البسطاء، وسط أسرة مسيحية اتصفت بالعراقة، والانتماء الراسخ للقيادة والوطن، وهي الأسرة التي انفتحت على آفاق قومية، تنافح عن قضايا الأمة، وتطالب باستقلالها ووحدتها، وقد اتصف الشاعر منذ صغره بحس المبادرة، والوعي السابق لسنوات عمره، وتعلق بمدينته السلط طوال حياته، لذا وصف دائما بابن السلط البار، الذي وإن ابتعد عنها بحكم عمله إلا أن وجدانه ارتبط بها بشكل لافت.

أتاحت الظروف الفرصة لجمال الشاعر، للالتحاق بمداس السلط، حيث درس المرحلة الابتدائية، ومن ثم المرحلة الإعدادية، وكان من ذلك الجيل الذين درسوا في مدرسة السلط الثانوية، حيث درس جزءاً من صفوف هذه المرحلة في هذه المدرسة العريقة، وكانت مدينة عمان عاصمة الإمارة الصاعدة، تشهد تطوراً لافتاً، ونشاطاً تجارياً متسارعاً، مما دفع عائلته للانتقال إلى عمان والاستقرار فيها، وقد بادر إلى الالتحاق بمدرسة المطران في عمان، في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، لكنه لم يمكث طويلاً في هذه المدرسة، فقد انتقل بعدها إلى مدرسة اللاتين، وفيها تمكن من الحصول على شهادة الثانوية العامة، التي كانت تسمى حينها ( المترك ) عام 1944، ورغم أن هذه الشهادة تؤهله للحصول على وظيفة حكومية جيدة، غير أنه فضل ترك مغريات الوظيفة، من أجل تحقيق هدفه في التحصيل العلمي، فغادر الأردن باتجاه بيروت حيث أصبح طالباً في الجامعة الأمريكية، واختار كلية العلوم تلبية لرغبته الخاصة، وتمكن من الحصول على بكالوريوس العلوم، من الجامعة الأمريكية عام 1947.

عاد جمال الشاعر إلى وطنه الأردن، مخططاً لدخول الحياة العملية، لكن رغبة والده في أن يدرس ابنه الطب، دفعته للعودة من جديد إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث عاد طالباً في كلية الطب، وكان مثابراً في دراسته، جدياً في تعامله مع مستجدات الحياة، متميزاً في التحصيل العلمي، وقد نال شهادة الطب من الجامعة الأمريكية عام 1951، حيث صبغ هذا التخصص حياته العملية بعد ذلك، فقد قرر التخصص في هذا المجال، خاصة أن الأردن كان بحاجة ماسة لهذه الكفاءات، فسافر إلى بريطانيا وايرلندا، ملتحقاً بجامعات هذه الدول للتخصص، وتمكن من تحقيق مراده بمستوى عالٍ. وقد عاد إلى وطنه مسلحاً بالمعرفة والعلم والخبرة العملية، فكان أحد ابرز الأطباء في مرحلته.

أتاحت له فترة دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت، فرصة للتواصل مع عدد من القوميين، وأصحاب الفكر العرب، وقد كون صداقات واسعة معهم، وهو المسكون بالهاجس القومي، وكانت الجامعة الأمريكية ملتقى القوميين، ولاقت أفكار السياسي أنطوان سعادة القومية، قبولاً وإعجاباً في نفسه، وكانت نتيجة ذلك أن انتسب إلى الحزب القومي السوري الاجتماعي عام 1946، وقد وصفت يتلك المرحلة من تاريخ المنطقة، بعدم الاستقرار السياسي، مع خروج الدول العربية تباعاً من السيطرة الغربية المباشرة، لذا لم يستمر جمال الشاعر أكثر من ثلاث سنوات في هذا الحزب، حيث التحق بحزب البعث العربي الاشتراكي، وقد قاده إيمانه بالقومية العربية، والوحدة العربية باعتبارهما السبيل الأفضل، لاستعادة العرب دورهم الحضاري المتقدم، مستندين إلى إرثهم العظيم، وما يتمتعون به من قدرات بشرية ومادية كبيرة، وقد استمر عضواً في حزب البعث حتى العام 1975، حين غادره محتفظاً بفكره ونهجه السياسي الوطني والقومي.

يعد جمال الشاعر ناشطاً اجتماعياً وسياسيا، فقد كان حاضراً في المنتديات والجمعيات المختلفة، داخل الأردن وخارجه، ولم يكتف كونه طبيب متميز، ففي عام 1949 ترأس نادي السلط الثقافي، وكان له نشاط ثقافي تنويري كبير، وعندما عاد إلى بيروت لدراسة الطب، أصبح رئيساً لجمعية العروة الوثقى في الجامعة الأمريكية عام 1950، وقد نقل معه هذا النشاط إلى بريطانيا وايرلندا أثناء دراسته فيهما، حيث انتخب رئيساً لرابطة الطلبة العرب. عمل الشاعر طبيباً في أكثر من موقع، وأسس مركزاً طبياً في مدينته السلط حمل اسمه، وقد حاز شعبية كبيرة في النواحي الاجتماعية والثقافية، وثقة عدد كبير من الناس بقدراته وخبراته في الطب. وقد أقام في دمشق مدة سنتين، لكنه عاد للإقامة في عمان عام 1960، بعد هذه المرحلة أصبح جمال الشاعر رئيساً لمجلس إدارة المستشفى الأهلي في عمان، وأسهمت نشاطاته المختلفة، وشهرته كطبيب وسياسي، لدخول مجلس نقابة الأطباء غير مرة.

بقي الهاجس السياسي يلاحقه، فبعد خروجه من حزب البعث، أسس مع نفر من أصدقائه التجمع الديمقراطي الوحدوي عام 1976، وتمكن من رئاسة لجنته التنفيذية عام 1983. وفي العام 1978 اختير عضواً في المجلس الوطني الاستشاري، وعندما كلف دولة الشريف عبد الحميد شرف رحمه الله، بتشكيل الحكومة عام 1979، دخل جمال الشاعر الحكومة وزيراً للشؤون البلدية والقروية والبيئة، وقد تميز كوزير بالتواضع، والعمل الجاد المخلص، ودخل الحكومة للمرة الثانية في حكومة دولة قاسم الريماوي، حاملاً الحقيبة الوزارية نفسها. بعد عودة الحياة الديمقراطية والحزبية، بادر مع عدد من أصدقائه بالعودة لممارسة الحياة الحزبية برؤية جديدة، أفادت كثيراً من المراحل السابقة.

وكانت لجمال الشاعر أنشطة مختلفة، نبعت كلها من مبادئه القومية ونهجه العروبي، فقد دخل عضوية عدة لجان محلية وعربية وعالمية، منها عضوية اللجنة العربية لحقوق الإنسان، وعضوية لجنة دعم الشعبين الفلسطيني واللبناني، ولارتباطه بمدينة السلط أصبح عضواً في لجنة اعمار السلط، ورغم عمله في الطب، ونشاطه السياسي والاجتماعي، فقد كان له حضور صحفي واضح، من خلال سلسلة من المقالات التي نشرها في أهم الصحف المحلية كالرأي والدستور، ولم ينقطع عن المشاركة في الأنشطة المختلفة ذات الصلة بتوجهاته واهتماماته، حيث كان دائم المشاركة في الندوات والمنتديات والمؤتمرات الفكرية والسياسية، وفي السياق نفسه، أصدر أكثر من كتاب من تأليفه منها: سياسي يتذكر، وخمسون عاماً ونيف، بالإضافة لعدد من الدراسات والأبحاث في السياسية والفكر.

لم ينقطع الطبيب والسياسي جمال الشاعر، عن الحياة السياسية والثقافية الأردنية، بل كان دائم النشاط والحضور، ويترك أثراً أينما حل، وقد اكتسب ثقة ومحبة كل من عرفه أو تعامل معه، وتحول منزله في سنواته الأخيرة، بمثابة ملتقى للسياسيين والكتاب وأصحاب الفكر، وبقي ابن السلط البار بأهله ووطنه وأمته، واخلص العمل في كل المواقع التي عمل فيها. وفي شهر تموز من عام 2007، توفي السياسي المخضرم والطبيب الإنسان جمال الشاعر، ليدفن في عمان التي شهدت نجاحاته المختلفة، فقد كان ولا زال علامة فارقة في الحياة السياسية والعلمية الأردنية.

المهندس جعفر الشامي

|0 التعليقات
المرحوم المهندس جعفر ناجي الشامي والشامي من مواليد السلط 1926 ودرس في مدرسة السلط الثانوية وتخرج منها عام 1945 ودرس الهندس الميكانيكية في جامعة عيش شمس وتخرج منها عام 1948 والتحق بالقوات المسلحة الاردنية سلاح الهندسة وتدرج الى رتبة رئيس.

انتخب نقيبا للمهندسين الاردنيين 1965 -1974 ورئيسا لاتحاد المهندسين العرب 1979 وعين وزيرا للاشغال العامة عام 1970 في حكومة عبد المنعم الرفاعي وعضوا في المجلس الوطني الاستشاري 1978 وعضوا في مجلس الاعيان 1989 كان رئيسا للجمعية الثقافية العربية كما اسس مع ابناء السلط مؤسسة اعمار السلط عام 1982 وكان رئيسا لمجلس ادارتها حتى 1995 وتوفي الشامي في 29/12/1998 .

محمد مبارك باشا العزب

|0 التعليقات
محمد مبارك ( العزب) عبد الهادي أحمد شحادة النسور ، مواليد السلط ،1870 م ، كان والده تاجرا كبيرا ، فورث عنه الثروة ، فهو وحيد والديه بين أربع شقيقات. تعلم في كـُتـّاب الشيخ محمد فهمي زيد الكيلاني . تزوج 3 نساء ، أنجبن له تسعة أولاد ، وأربع بنات. أدى فريضة الحج أكثر من مرة ، استغرقت إحدى رحلات الحج ثلاثة أشهر إذ كانت بحرية من المتوسط إلى الأحمر ، وسافر إلى تركيا في أعمال التجارة. 

كان من الشخصيات الأردنية المشهود لها بمقاومة الاستعمار ، وثبات المواقف الصلبة نقية أصيلة. شارك في عضوية المجلس البلدي أكثر من مرة . حصل على لقب باشا في عهد الإمارة بتاريخ : 1/4/1936 ، كان قاضيا عشائريا ، لم يذكر عن محمدباشا العزب أنه سار في صلحة أو جاهة في قضية من القضايا التي تمس الشرف ، تعففا منه عن الدخول في هذه القضايا الحرجة. يقول حفيده غازي :

يروى أن قضية استعصت على الحل في غرق أحد الرعاة في نهر الأردن ، فكان هو الذي حلها بكلمتين.

ورث ثروة أبيه الذي كان تاجرا معروفا ، فعاش ميسور الحال ، مضيافا للغرباء، ففي نكبة 1948 كان له مواقف رعاية واهتمام تجاه الإخوة اللاجئين، امتدادا لعلاقته الوطيدة مه رجالات فلسطين خاصة عائلتي عريقات وشومان ، وكذلك ثوار الدروز بقيادة سلطان باشاالأطرش حيث استضاف عددا من رجاله الذين لجأوا إلى السلط ، واستضاف سلطان وزيد باشا الأطرش ، حيث أهداه سلطان مجموعة من دلال القهوة الفاخرة.

فعدما استشهد الملك المؤسس عبدالله بن الحسين في الأقصى، حصلت ردود فعل سلبية من قبل فئات متسرعة فتصدى لهم محمد باشا العزبلضبط النفس والتعامل مع الحدث بمسؤولية فالمصاب كان مصاب الضفتين.

توفي في 30/6/1952 ، بعد مرض ألزمه الفراش مدة سنتين ، دفن في مقبرة العيزية في السلط.

تحدث عنه د. هاني العمد :

كان كريما مساعدا للفقراء والمحتاجين ، وكان له نشاط وطني مشهود .وكان يستضيف الغرباء في بيته ، وكان ورعا تقيا ، طويل البال محبا للخير ، حازما محبا للعلم ومشجعا عليه ، وكان له نشاط وطني مشهود. من المؤتمرات الوطنية التي حضرها مؤتمر عام 1936 الذي عقد برئاسة الملك عبدالله.

كان على صلة طيبة مع نمر الحمود ، عبدالله الداوود ، سعيد الصليي ، سعيد المفلح ، فلاح الحمد ، الخوري أيوب ، محمد الرشدان ، صالح العيد قاقيش وغيرهم ….وكان ممن عارضوا المعاهدة البريطانية 1926.

عبد الحليم عباس العواملة ... واجه المتاعب بالمثابرة والإنجاز

|0 التعليقات


لقد أخذ بالأرض والإنسان، منذ تسامت صرخته الأولى في فضاء المدينة المتشبثة بقمم الجبال، القابضة على سحر الجمال الطبيعي، والوقفة على بوابات العابرين منها وإليها، مرحبة بالضيف الذي منذ تطأ قدمه أديمها حتى يصبح من أهل الدار، عليه ما على أهلها، وله مالهم من حق مستحق، تلك في السلط المدينة التي نهضت كالمنارة الجاذبة، منذ أواخر العهد العثماني المتعثر، فشكلت مع مدينة نابلس ثنائية مازال صداها ينمو كشجر الزيتون المباركة، لذا كان عبد الحليم عباس، نتاج مدينة تفوقت على ما عم البلاد من إهمال وسؤ معاملة، متحولة لدار علم متقدم، ومركزاً تجارياً فاعلاً، مما أكسبها دوراً سياسياً، جعلها في بؤرة الحدث العصري، فكانت عاصمة البلقاء، والمدينة الأكثر تطوراً في تلك الفترة، متقدمة على عمان التي كانت أقرب إلى قرية كبيرة، قبل أن تصبح عاصمة الدولة الأردنية الحديثة.

ينتسب عبد الحليم عباس، إلى عشيرة العواملة، إحدى العشائر الرئيسية في مدينة السلط، والتي أنجبت رجالات لعبوا دوراً بارزاً في بناء الدولة الناشئة، منذ مرحلة التأسيس الأولى، فلقد كانت السلط بتركيبتها العشائرية، ذات حظوة كبيرة في البلقاء التي ضمت وسط الأردن، وقد منح موقع المدينة الفريد أبناءها فرصة للتواصل والعمل، وتلقي العلم سواء في الكتاتيب، أو في المدارس الصغيرة المتوفرة، قبل تأسيس مدرسة السلط الثانوية، أول مدرسة ثانوية في شرق الأردن، التي أحدث أثراً حاسماً في تعليم أكثر من جيل من أجيال التأسيس، فلقد ولد عبد الحليم عباس، في ظل الحكم العثماني للمنطقة، في سنواته الأخيرة تحديداً، حيث كانت البلاد العربية، ساخطة نتيجة سياسة التمييز العنصري، وتتريك رعايا الدولة من غير الأتراك، حيث كانت ولادته في عام 1913م، في ظل انعكاس الوضع العام على الناس، فلقد كان القادم من الأيام ينذر بوقوع أحداث جسام، لا يمكن التنبؤ بنتائجها.

عبد الحليم عباس على موعد مع الحزن والمتاعب، حتى قبل أن يتفتح وعيه على تفاصيل الحياة الشائكة، فلم يكن يبلغ عامه الأول حتى فجع بفقده والده، الذي توفي تاركاً الطفل عبد الحليم يواجه المصاعب الحياة مبكراً جداً، ورغم انه حظي برعاية والدته وأعمامه، إلا أن أوضاع الناس العامة لم تكن سهلة، وكانت لقمة العيش تؤكل مغمسة بالشقاء والصبر، لذا لم يجد أمامه من خيار سوى الاعتماد على النفس، منذ أخذت خطواته تدب في أزقة السلط وروابيها، ولعله أدرك بفطرته حجم ما عليه من مسؤوليات قادمة، حتمتها عليه الظروف العائلية والأوضاع العامة، فالتحق بالكتّاب الذي يعد البديل المتاح عن المدرسة الابتدائية، وهذه الكتاتيب يتولى التعليم فيها في العادة رجال الدين من أأمة وخطباء، وليس لها منهاج تعليمي معتمد، يقتصر فيها تعليم الطلبة القراءة والكتابة والحساب، وحفظ سور من القرآن الكريم، وكانت السلط تشتهر بكتاتيبها، التي خرجت عدداً من الطلبة الذين كان لهم شأن كبير فيما بعد.

بعد إنهائه مرحلة الكتاتيب، سعى عبد الحليم عباس، لدخول مدرسة السلط الثانوية، المركز العلمي الأعلى حينها، وقد تحقق هذا الحلم، فأصبح طالباً في المدرسة، و مبديا نبوغاً وتميزاً، وعرف بالتحصيل الدراسي الجيد، وتتلمذ على يد مجموعة من أفضل المعلمين في تلك المرحلة، حيث كان من أساتذته الشيخ نديم الملاح، الذي لاحظ ميله نحو الأدب، ومقدرته في الإبداع الأدبي، فعمل على تشجيعه ورعايته، حتى أنه تبنى نتاجه الإبداعي المبكر، حيث عمل على نشر بعض هذا النتاج في مجلته «الحكمة»، وذلك خلال الفترة من 1932- 1933م، فكان له أثر كبير في حياة عبد الحليم خلال مرحلة الشباب الأولى، عمل على توجيهه نحو الكتابة، وأرشده إلى كيفية تجويد نصوصه المبكرة.

تمكن عبد الحليم عباس، من الحصول على الثانوية العامة من مدرسة السلط، وكان تفوقه يؤهله للتقدم نحو المرحلة القادمة، وبالرغم من أن الثانوية العامة في تلك الأيام، تمكنه من الحصول على وظيفة جيدة، وعلى رأسها العمل مدرساً في المدارس الحكومية والخاصة، لكن عبد الحليم عباس ورغم ظروفه، إلا أنه قرر شد الرحال باتجاه العاصمة السورية دمشق، حيث التحق بمعهد الحقوق وذلك عام 1929م، غير أن الظرف القاسي لاحقه، فلم يتمكن من تأمين ما يساعده الإنفاق على دراسته ومعيشته هناك، مما اضطره لقطع دراسته والعودة للأردن، لكنه حمل انكسار حلمه، وقرر عدم الوقف عند هذه المحطة، فتوجه للعمل بكل ما ملك من حماس وحب للعطاء، تم تعيينه في وزارة المعارف - التربية والتعليم- فعمل مدرساً في المدارس الحكومية، وقد أحب مهنة التدريس، وأخلص لها.

بعد عمله مدرساً لفترة من الزمن، لاحقته الرغبة في التجريب، وتغيير مساره الوظيفي، ولعل تركيبته كمبدع أمتاز بالقلق وعدم الاستقرار، انعكس ذلك على استقراره الوظيفي، فتنقل بين أكثر من وظيفة، حيث انتقل من وزارة المعارف إلى دائرة الجوازات، بعد أن خدم في هذه الدائرة لفترة من الزمن، قرر تركها والانتقال إلى وزارة الداخلية، وكان عمله في هذه الوزارة فرصة جديدة لعمل مختلف، يلتقي خلالها بأناس جدد، وكان طوال هذه الفترة يمارس الكتابة الأدبية، في أكثر من جنس إبداعي، وبعد مرحلة العمل في وزارة الداخلية، سنحت له فرصة الانتقال إلى وزارة الإعلام، وكانت هذه الوزارة الأقرب إلى ما تمتع به من موهبة أدبية، أصبح لها حضورها على الساحة المحلية.

لقد نشط في كتابة المقالات الصحفية، وتوسع في نشر كتاباته في الصحف والمجلات، فلقد نشر في « الحكمة» و»الجزيرة» و»الرائد» وجريدة «الدستور»، وعمل فيما بعد على جمع عدد من هذه المقالات في كتاب «السياسة والأدب» الذي صدر في جزئين، كما أصدر كتابا آخر بعنوان « أبطال العقيدة» الذي ضم مجموعة أخرى من المقالات، ويعتبر عبد الحليم عباس، من المبدعين الرواد في مجال الكتابة الروائية، فلقد اصدر رواية في فترة مبكرة نسبياً، حيث كتب روايته «فتاة من فلسطين» بعد نكبة عام 1948م، التي ضاع فيها الجزء الأكبر من فلسطين، وقد كان لهذا العمل الإبداعي صداه، وتكمن من تركيز الضوء على موهبته في مجال كتابة القصة والرواية، التي جاءت متسقة مع الواقع الثقافي في البلاد.

لقد وزع عبد الحليم عباس حياته بين العمل والكتابة، وقد أصدر العديد من الكتب المتنوعة، منها بالإضافة لما ذكر، «قصة من دير ياسين»، وهي عبارة عن قصة طويلة تعرض لجانب من معاناة الشعب الفلسطيني، وقد أصدرتها وزارة الثقافة فيما بعد عام 1990م، وأصدرت له وزارة الثقافة أيضاً « قصتان من فلسطين»، ونلحظ من إبداعاته المختلفة، الحضور القوي لديه لفلسطين القضية والإنسان، فلقد شكلت وعيه القومي المبكر، وبقيت جرحاً عميقاً يحفر في وجدانه، لذا سخر لها كثير من كتاباته، ولقد نشرت له كتب كثيرة في مجال الدراسات المختلفة، منها «أبو نواس» التي صدرت عن دار المعارف في مصر عام 1946م، و»البرامكة في بلاط الرشيد» صدر في عمان عام 1946م، وكذلك كتاب «البرامكة في التاريخ» 1956م، و»أصحاب محمد» عام 1964م، وغيرها من الكتب المهمة التي مازال يرجع إليها، لما حوته من أصالة في البحث والكتابة، وقد حقق مساحة كبيرة في الساحة الثقافية، ولفت الانتباه إلى منجزه الفكري والأدبي، وتقديراً لهذه المكانة المستحقة، منحه المغفور له الملك الحسين بن طلال شهادة تقديرية عام 1977م، وقد كان لهذا التقدير الملكي، أثره الطيب في نفس عبد الحليم عباس، وضعه في المكانة اللائقة في المشهد الثقافي الأردني، حيث بقي معطاءً حتى لحظاته الأخيرة، عندما توفي عام 1979م، عن عمر من الكتابة والعمل، مقدماً منجز اً أدبياً وفكرياً وطنياً بنكهة قومية وإنسانية، أعطت نتاجه وشخصيته سمة الذِكر الخالد، والسيرة العطرة بالمحبة والعمل الشريف.

محمد أمين شريم .. من رجالات الحركة الوطنية الأردنية

|0 التعليقات
ولد السيد محمد أمين شريم "جدُّ الأخ العزيز الدكتور محمد بشير شريم" في مدينة السلط في عام 1890 م ، وهوالإبن الأكبر للسيد أمين شريم الذي رزق بولدين آخرين هما محمود المولود في السلط في عام 1897 م وأحمد المولود في السلط في عام 1907 م ، وبعد إكمال دراسته في السلط توجَّـه إلى عاصمة الدولة العثمانية الآستانة "إسطنبول" والتحق بالكلية الحربية وتخرَّج ضابطا برتبة ملازم والتحق بمعسكر الجيش العثماني المقيم في السلط وعُـيًّـن مسؤولا عن التجنيد الإجباري "الفربلك" الذي كانت تفرضه بشكل ظالم وغير إنساني على العرب حكومة حزب الإتحاد والترقــًّـي التي كان معظم قادتها من يهود الدونمة والماسونيين ، وكان من خلال موقعه يُـسرًّب إلى شباب السلط مواعيد الحملات التي كان جيش الإتحاديين يباغت بها الأهالي ليقبض على الشباب ليسوقهم إلى التجنيد الإجباري ، كما كان يـُـهرًّب إلى دير اللاتين في السلط المواد الغذائية التي كانت شحيحة من قمح وعدس وشعير لتوزيعها على أهالي السلط ، وعندما اكتشف الإتحاديون ذلك حكموا عليه بالسجن وبلغ من حقدهم عليه أنهم لم يسمحوا له بالمشاركة في تشييع والده الشيخ الجليل أمين شريم الذي توفي أثناء وجوده في السجن إلا بعد تدخل شيوخ السلط فسمحوا له بتشييع والده تحت حراسة مشدَّدة وأعيد فورا بعد دفن والده إلى السجن .

وبعد انتهاء الحرب وهزيمة الإتحاديين وخروجهم من شرقي الأردن خرج من السجن ليعمل في الزراعة والتجارة في السلط ثمَّ انتقل إلى عمَّـان ليصبح من كبار تجارها وأصبح وكيلا لسيارات شيفروليه وكرايزلر وفورد ، وتشعَّـبت تجارته إلى قطع السيارات والدهانات ومواد البناء والمعدَّات والمواد الزراعية ، وتولى منصب نائب رئيس بلدية عمَّـان لأكثر من دورة ، ويذكر الدكتور رؤوف سعد أبوجابر في كتابه "تاريخ شرقي الأردن واقتصادها" أن السيد محمد أمين شريم "أبوبشير" ينتمي إلى عائلة معروفة في قلقيلية والأصح أنها من نابلس حيث يذكر كتاب "أحسن الربط في تراجم رجالات من السلط" للدكتور هاني صبحي العمد أن شقيقي السيد محمد أمين شريم محمود وأحمد كانا مختارين لأهالي نابلس في السلط على فترتين مختلفتين ، والأرجح أن والدهم السيد أمين شريم كان قدم إلى السلط من نابلس مع العديد من النوابلسة الذين قدموا إلى السلط في العهد العثماني للعمل أوالتجارة ثمَّ استقرُّوا فيها ، ويورد كتاب "تاريخ شرقي الأردن واقتصاده "للدكتور رؤوف سعد أبوجابر وثيقة مؤرَّخة في 13 ـ 8 ـ 1932 م ورد فيها إسم السيد محمد أمين شريم "أبوبشير" من بين التجار الأردنيين الذين كانت تعتمدهم شركة البترول العراقية "آي. بي. سي" .

ويذكر الدكتور أبوجابر إن السيد محمد أمين شريم كان مسجلا في غرفة تجارة عمَّـان بالدرجة الثانية حيث كان رأسماله خمسة آلاف جنيه ، ثمَّ انتقل إلى عضوية الغرفة من الدرجة الأولى بعد أن رفع رأسماله إلى عشرين ألف جنيه"كان الجنيه الفلسطيني الذي أصدرته سلطات الإنتداب البريطاني هوالسائد آنذاك" ، ويذكر الدكتور أبوجابر إن السيد محمد أمين شريم انتخب عضوا في مجلس إدارة غرفة تجارة عمَّـان وأن المجلس اختاره نائبا للرئيس في دورة"1926 ـ "1928 ، ثمَّ اختاره رئيسا ثانيا للغرفة في دورة"1928 ـ 1935 م"وفي دورة"1935 ـ 1941 م" ، وكان يزاول تجارته في عدَّة دكاكين في عمارته التي تمَّ بناؤها في العقود الأخيرة من النصف الأول للقرن العشرين المنصرم وكانت تضمُّ مسكنه ومقر"دائرة المعارف"في الإمارة التي كانت بمثابة وزارة للمعارف قبل أن يتغير إسمها رسميا إلى وزارة ، كما شغل أحد أجزائها في الخمسينيات مكتب المعلومات الأمريكي ، وبالإضافة إلى عمارة شريم كانت له بناية من عدَّة دكاكين على الشارع العام وأخرى داخلية وكانت الدخلة القريبة من السوق تـُـسمَّـى"دخلة شريم".

على الصعيد السياسي كان السيد محمد أمين شريم من رجالات الحركة الوطنية الأردنية التي كانت تتصدَّى للإحتلال البريطاني للأردن وفلسطين والعراق وللإحتلال الفرنسي لسوريا ولبنان ، ويذكر كتاب"الأردنيون والقضايا القومية والوطنية"للدكتور محمد عبد القادر الخريسـات إن السيد محمد أمين شريم شارك في الوفد الأردني الذي قام بزيارة إلى دمشق في أواخر شهر تشرين الثاني من عام 1919 م والتقى مع رجالات الحركة الوطنية السورية في النادي العربي في دمشق الذي كان ملتقى للوطنيين السوريين والعرب ، وتباحث الوفد مع الأشقاء السوريين في وضع خـُـطة للتعاون للتصدًّي لمؤامرة"سايكس ـ بيكو" الفرنسية البريطانية لتقسيم البلاد العربية ، وكان مؤلفا من السادة مع حفظ الألقاب علي عبد العزيز الكايد العتوم وأحمد العبد الله"أبوجلمة"أبورمان ومحمد أمين شريم وسالم أبوالغنم وكريم النهار البخيت العبَّـادي.

على الصعيد الإجتماعي كان السيد محمد أمين شريم من أبرز الناشطين في العمل الإجتماعي وكان رئيسا للجمعية الخيرية الأردنية التي كانت تتعاطى العديد من النشاطات الخيرية والثقافية ، وقد أوردت مجلة"الحكمة"الشهرية الأردنية التي كان يترأس تحريرها العلامة الشيخ نديم الملاح في عددها الصادر في جمادى الأولى 1351هـ ـ تشرين الأول م1932 خبر تشريف صاحب الجلالة الملك فيصل بن الحسين ملك العراق وسموالأمير عبد الله بن الحسين أمير البلاد الأردنية بحضورهما الكريم مسرحية فتح الأندلس التي مثلها نخبة من شباب الأردن"لم تذكر المجلة أسماءهم"والتي خـُصص ريعها للجمعية الخيرية الأردنية التي يترأسها سعادة الوجيه الغيور محمد أمين بك شريم.

وانتقل السيد محمد أمين شريم إلى رحمة الله عزَّ وجلَّ في 11 ـ 6 ـ 1940 م إثر حادث سير على طريق وادي شعيب أثناء سفره إلى القدس الشريف ، ودفن بإحتفال مهيب في عمَّـان ، وأطلقت بلدية عمَّـان ، التي كان شغل منصب نائب رئيسها عند وفاته ، إسمه على أحد شوارعها.