عبدالرحمن ابو حسان .. اول المصانع الاردنية

كان عام 1937 عاما مختلفا في حياة الاقتصادي الاردني عبد الرحمن ابو حسان الذي عاش واحدا وثمانين عاما مليئة بالحركةً في شتى الاتجاهات ، ففي هذا العام حدثت تطورات مهمة في حياته الشخصية ، فقد توفيت زوجته الاولى وابنة عمه السيدة امون ابو حسان"ام ممدوح" بعد زواج دام ست سنوات ، ليتزوج ثانية من السيدة حفيظة النجداوي"ام خلدون" ، ويرزق من زوجتيه بتسعة من الابناء والبنات ، وفي هذا العام ايضا غادر مدينة السلط كمقر لاقامته ليسكن في عمان ، بعد ان خطا خطواته الاولى والثابتة في عالم التجارة والمال .

ولد ابو ممدوح في مدينة السلط عام 1905 ، ليجد نفسه عام 1911 يتيماً ، بعد ان قتل قطاع الطرق والده في منطقة الغور عندما كان في طريق تجارته الى نابلس ، وبين الكتاتيب ومدرسة السلط انهى عبد الرحمن ابو حسان دراسته الاعدادية ، ليبدأ بعد ذلك العمل مع احد تجار عمان ، قبل ان يلتحق لمدة عامين ، عندما بلغ سن الرشد ، بالجيش العربي مع بداية تشكيله في اوائل العشرينيات .

الدكان الذي امتلكه في وسط عمان صار ملتقى للاصدقاء وتحول الى ما يشبه المنتدى السياسي في تلك الفترة ، ليتحول ابو ممدوح بعدها الى تاجر جملة عام 1941 ، ويصبح عضوا في مجلس ادارة غرفة تجارة عمان ، وهو الذي مثلها في العام 1950 في اجتماعات بيروت والاسكندرية ، التي افضت الى ولادة اتحاد الغرف التجارية العربية .

وبسبب حضوره السياسي والاقتصادي والاجتماعي اختير ابو ممدوح ليكون عضوا في مجلس محافظة العاصمة ومجلس امانة العاصمة ، بعد ان كان عضوا في مجلس بلدية عمان في اربعينات القرن الماضي .

الدكان الصغير الذي امتلكه في وسط البلد عام 1937 ، دفع بعبد الرحمن ابو حسان ليكون بعد سنوات احد ابرز رجال المال والاعمال في الاردن ، فقد ذهب في بداية الاربعينات لتأسيس اول مصنع في البلاد ، وكان مصنعا للنسيج استورده من الخارج ، قبل ان يتم اغلاقه لاحقا لاسباب تتعلق بالمواد الاولية وقطع الغيار ، ليسهم بعد ذلك في تأسيس عدد من المشاريع الاقتصادية الكبرى ، من بينها مصنع انتاج السجاير الذي تحول لاحقا الى شركة التبغ والسجاير الاردنية ، وشركة الاسمنت ، ومصفاة البترول ، والمطاحن الحديثة ، ومناجم الفوسفات وكهرباء الزرقاء وشركة التأمين الاردنية وغيرها ، وتقلد في هذه الشركات موقع عضو مجلس ادارة او نائب للرئيس او رئيس لمجلس الادارة.

شغلته هموم وطنه وامته ، واذا كان في بداية الاربعينات قد شكل مع مجموعة من اصدقائه ملتقى اقتصاديا اطلقوا عليه جمعية الثلاثاء ، كانت مهمتها مناقشة الاوضاع الاقتصادية في البلاد ، فقد ارتبط ابو ممدوح بعلاقة طيبة مع القائد الفلسطيني الشهيد عبد القادر الحسيني ، وكان له دور معلوم في احداث ثورة 1936 ، وتشير المعلومات الى ان عبد الرحمن ابو حسان كان يسهم بماله في توفير السلاح للثوار ، ويحتفظ ارشيفه الشخصي برسالة اثيرة تلقاها من الشهيد الحسيني تعترف بدوره وبفضله ، وهي الرسالة ذاتها التي قامت الشاعرة فدوى طوقان بصياغة مضمونها شعرا ، تحدثت عن مواقف ابي ممدوح .

رغم اقامته الطويلة في عمان الا انه لم يقطع صلات علاقاته بمدينة السلط ، فقد كان فاعلا في جمعية السلط الخيرية ، كما ذهب الى تـاسيس اول مركز اجتماعي للاطفال في محافظة البلقاء حمل اسمه ، وظل حتى يومه الاخير مرجعا اجتماعيا واخلاقيا يسهم في حل الكثير من القضايا ، كما شارك في تأسيس جمعية الثقافة الاسلامية التي ولدت من رحمها الكلية العلمية الاسلامية في عمان.

في الثلاثين من كانون الاول عام 1986 ، وقبل ان تطوي السنة صفحتها الاخيرة توفي عبد الرحمن ابو حسان ليدفن في اليوم التالي بمقبرة العائلة في ام الحيران ، وقد استحق عبر مسيرته الطويلة وسامي الاستقلال من الدرجتين الثانية والثالثة .

رجل عصامي ، هكذا يصفه الذين تعاملوا معه ، فيما تشير اوراقه الشخصية الى انه كان عضوا في لجنة استيعاب النازحين التي تشكلت اثر عدوان حزيران 1967 بعد احتلال الضفة الغربية ، واعتبر اقتصاديون اردنيون ان رحيله كان خسارة للجهد الاقتصادي الوطني.


هشام عودة
جريدة الدستور
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))