وادي شعيب قرية أردنية عدد سكانها لا يتجاوز الـخمسمئة نسمة تقع في محافظة البلقاء وتبعد أقل من 4 كم جنوب مدينة السلط في الطريق المتجه إلى وادي الأردن والبحر الميت ، ويقع على بعد 5 كم غرب ماحص ، وتوجد فيها آثار من حقب زمنية مختلفة اسلامية كمسجد النبي شعيب ومقابر بيزنطية. ومن أهم ما تشتهر به على الصعيد الاثري وجود آثار مستوطنة للانسان الحجري تعود إلى الالف السادس قبل الميلاد. ويوجد فيها ضريح نبي الله شعيب حيث دفن ، عليه السلام حسب القرآن الكريم والتوراة. ويوجد فيها سيل متوسط الحجم يسمى بسيل وادي شعيب يصب في نهر الأردن ويقدر عدد منابعة بـ 666 عينا.
تتميز منطقة وادي شعيب بطبيعتها الخلابة.. فهو وادْ جميل فيه ماء وخضار. وتكثر فيه أشجار الليمون والزيتون والرمان والكينا والدفلى والتين والبرتقال والقصيب والورد. فيجد الزائر نفسه وسط منطقة ولا في الأحلام. وقديما كانت المنطقة محطة مهمة على الطريق الرئيسية التي تربط ما بين عمان والقدس مرورا بماحص وغور الأردن. واليوم لا تزال الطريق موجودة وتشكل ممرا مهما لاقتصاد المنطقة.
قصة نبي الله شعيب
أرسله الله إلى أهل مدين (ويعرفون أيضا بأصحاب الأيكة ، وهي: غيضة تُنبت ناعم الشجر كانت لهم) ، ويرى بعض المفسرين أن أصحاب الأيكة قوم آخرون غير أهل مدين ، أرسله الله إليهم بعد إهلاك أهل مدين ، وكانوا يسكنون بقرب مدين ، فدعاهم إلى الله فكذبوه ، فأخذهم عذاب يوم الظلة. والله أعلم.
وأهل مدين قوم عرب يسكنون في بلاد الحجاز مما يلي جهة الشام ، وهي أرض واقعة حول خليج العقبة من طرف نهايته الشمالية شمالي الحجاز وجنوب فلسطين. ويظهر أنها في الأرض المسماة الآن (معان) ، أو على قرب منها.
والظاهر أن هؤلاء القوم كانوا قوما عربا جاء إليهم مدين بن إبراهيم وصاهرهم وعاش بينهم ، وصار له فيهم رهط وأسرة ، ولذلك سماهم الله أهل مدين نسبة إليه. وقد ذكر الله شعيبا عليه السلام في عداد مجموعة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، ويعرف بخطيب الأنبياء لحسن بيانه وقوة حجته.
وقال أبو البقاء في كلياته: "شعيب عليه السلام هو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم الخليل". وقيل غير ذلك في نسبه. وقالوا: وأمه بنت لوط عليه السلام.
وليس عند المؤرخين تحديد للزمن الذي عاش فيه شعيب عليه السلام ، ومن المحقَّق أن دعوته لقومه كانت بعد لوط بزمن غير بعيد ، وأنها كانت قبل موسى. ويغلب على الظن أن أحداث إهلاك قومه كانت بعد انتقال بني إسرائيل إلى مصر وفي المدّة الواقعة بين وفاة يوسف ونشأة موسى عليهما السلام. والله أعلم.
ربيع الوادي
لوادي شعيب نقطة اتصال جبال البلقاء بأغوارها ، علاقة خاصة بالربيع ، فهو مقصد الناس في فصل تفتح الزهور ، ووجهة العائلات والراغبين بالتنزه والتمتع بجمال الطبيعة الخلابة وأفيائها.
وإضافة لأزهاره وأعشابه وأشجاره وارفة الظلال ، يشتهر وادي شعيب بسيله الذي تتراوح فيه كمية المياه حسب كمية المطر في فصل الشتاء.. قبيل أول بشائر الربيع.
وتتوفر لزائر المنطقة ، مقومات الاستمتاع بالمكان من ماء وخضرة ، وطبيعة تسحر الألباب حباها الله لهذه البقعة الجميلة من الأرض.. وعلى مد البصر سهول محيطة بالوادي كأنها بساط أخضر يفترش المكان وينشر عبق أزهاره بألوانها التي لا حدود لها على المنطقة وزوارها.
الدحنون وشقائق النعمان الحمراء ، وزهر الأقحوان والنرجس ، وأنواع أخرى لزهور يتباهى بها الوادي ، وتنتشي السوسنة السوداء "زهرة الأردن الوطنية" بين شقيقاتها من الزهور تعطي الوادي سحرا إضافيا عزَّ مثيله. فتتوزع الألوان بين الأحمر والأصفر والبنفسجي والزهر والأبيض ، لتظهر وكأنها حبات لؤلؤ تزين جيد الوادي الأخضر ، فيعطيها الربيع جمالأ فوق جمالها.
أعشاب طبية
ولمن يهوى جمع الأعشاب الطبية فله في هذا الوادي نصيب كبير.. نظرا لطبيعة المنطقة ونسبة الرطوبة التي تحويها التربة لوجود ينابيع الماء فيها بكثرة ، وبسبب درجة الحرارة التي تتلاءم مع البيئة المناسبة لنمو مثل هذه الأعشاب الطبية التي تعالج العديد من الأمراض التي يعاني منها الإنسان.
ومن هذه الأعشاب التي تشتهر بها منطقة وادي شعيب ، البابونج والزعتر البلدي والميرمية والنعناع بأنواعه المختلفة ، والذي يستخدم كمهدىء للآلام ، إضافة الى نوع آخر من الأعشاب يسمى الخوخ ، والذي تستخدمه السيدات الكبيرات في السن لتحضير أنواع مختلفة من العلاجات الطبيعية. كما يوجد في المنطقة الكثير من الأعشاب الربيعية الحولية والموسمية الأخرى.
وتلجأ الكثير من النساء الى قطف بعض الأعشاب والزهور وتركها الى ان تجف لكي يصنعن منها أنواع خاصة من "بهارات الأكل" التي تعطي نكهة مميزة للطعام وخاصة المنسف.
ولا يمكن تجاهل الأشجار الكبيرة المعمرة في الوادي والموجودة منذ عشرات السنين ، والتي أقامت مع ينابيعه علاقة وثيقة على امتداد الايام لتشكل متنزها طبيعيا لا دخل للبشر في تكوينه.
الدفلى والكينا
ومن أشجار الوادي التي تزهو بجمالها فيه.. أشجار الدفلى التي يقترن اسمها بالوادي ، واللوز بأزهاره الجميلة ، وشجر الكينا التي يزيد عمر بعضها على عشرات السنين وما تزال تعانق عنان السماء ليتجاوز العديد منها العشرين مترا. وشجر الرتم او الرتام التي كان يستخدمها السكان سابقا لإشعال النيران ، لأن أخشابها تشتعل بسرعة ، وتستمر في الاشتعال لفترات طويلة.
ويقصد وادي شعيب سنويا آلاف المتنزهين والسياح للتمتع باجوائه الجميلة الدافئة وخاصة في فصل الربيع بدءا من وادي السلط ، ولغاية سد وادي شعيب ، حيث تنتشر العائلات والأفراد سواء في رحلات عائلية او مجموعات او أفراد ، للتنزه بين جنبات الوادي الرائعة وأشجاره من الدفلى والكينا ولتناول ما يحضرونه من طعام او للشوي او اللعب او قطف الزهور والأعشاب الطبية. فيشاهد الزائر او المار من تلك المنطقة العشرات من الأشخاص يفترشون المساحات الخضراء في منظر يدخل السعادة والفرح الى القلوب ، ويحفًّز المار الى الإنضمام الى تلك الجموع للأستظلال بأشجار الوادي وإفتراش ربيعه الأخضر وأخذ غفوة على أصوات العصافير ونسمات هوائه العليل.
مكرهة صحية
الزائر لوادي شعيب بقصد التنزه والسياحة يستاء من تراكم أكوام القمامة ، خصوصا عند جسر العراقية ، حيث ان تلك المناظر الكريهة في بعض الأماكن تحد كثيرا من توافد الزوار ، والتمتع بجمال هذه المنطقة.
فمنطقة وادي شعيب كانت على مر السنوات الماضية تعتبر مكانا مثاليا لقضاء نزهة عائلية حيث الأجواء الرائعة والظلال الوارفة ، إلا ان أكوام القمامة التي يتركها بعض المتنزهين خلفهم ، بالاضافة الى تطاير الورق وأكياس البلاستيك تحيل المكان إلى "مكرهة صحية".
وهناك عدد من المتنزهين الذين يفدون الى المكان يقومون بتنظيف ما خلَّفه غيرهم من قمامة حتى يتمكنوا من الجلوس والاستمتاع بجمال المنطقة ، إلا أنهم يتفاجؤون مع ذلك بعدم وجود حاويات للقمامة لوضع ما جمعوه أو ما سينتج عن زيارتهم فيها.
واستغرب الكثير من الزوار من عدم وجود عمال نظافة يكون دورهم تنظيف القمامة او "التشييك" على المكان بعد إخلائه من قبل مرتاديه ، وان بقاءَ المكان على ما هو عليه حاليا يعتبر "مأساة فعلية".
فالمحافظة على الأماكن السياحية التي تعتبر الوجه الحضاري للوطن واجب على الجميع.
ولا بد من درء بعض السلوكيات الخاطئة التي يمارسها بعض الزوار وإلزام المتنزهين بوضع النفايات في أكياس مخصصة.
وأخيرا.. يجب ان تتضافر جهود جميع الجهات المعنية للخروج بأبهى حلة للأماكن السياحية ، خصوصا التي تشهد إقبالا كبيرا كمنطقة وادي شعيب التي تؤمها أعداد سياحية كثيفة ، خصوصا أيام العطل ، والمحافظة على تلك الأماكن ونظافتها لتبقى جاذبة للسياح.
