فهد أبو العثم : رحلة الأفندية الأردنية من السلط إلى سدة الجامعة العربية



حين كان مديرا للمطبوعات والنشر العام 1973 خرجت إحدى الصحف على القراء بصورة كاريكاتورية تضع إكليلا على قبر كتب عليه مجلس النواب، وإكليلا على قبر آخر كتب عليه مجلس الأعيان، يومها اتصل به وزير الإعلام طالبا منه اتخاذ إجراء بحق الصحيفة فقال أبو العثم" باللحظة التي يضعون فيها إكليلا على قبر للسلطة التنفيذية سأتخذ إجراء المساءلة".

القاضي والقانوني فهد أبو العثم كان رقيبا على الإعلام في ظروف صعبة أوائل السبعينيات، فقد اختير مديرا للمطبوعات يوم كان قاضيا لبداية عمان، حسب قول رئيس الحكومة له "بقولوا عنك قانونجي كويس وبدي تضع قانون للمطبوعات".

تأكدت روح القاضي في عمله يوم أعد مشروع قانون للمطبوعات العام 1973، وضمنه نصا يفتح باب محكمة العدل العليا لكل من يتظلم، لكن مجلس النواب لم يأخذ النواب برأيه.

ولد فهد عبد الكريم أبو العثم في مدينة السلط العام 1933 في حي وادي الأكراد بمنطقة "طور النسور". والده عمل تاجرا ينقل البضائع لبني حميدة، "كان مختلفا عن أبناء جيله".

بداية الوعي تشكلت في كتاب الشيخ الجزازي "كان في الكتاب من 30-40 طالبا يجلسون على الحصر".

بذل محاولات عديدة كي تقبله مدرسة السلط الثانوية، إلا أن مديرها الراحل محمد أديب العامري رفضه و"السبب لأنني كنت دون السن القانوني".

كان والده متلهفا على العلم والدراسة؛ كونه كان دائم الاختلاط مع أولاد أخيه من أمه لم يكتب له الدخول إلى مدرسة السلط، ولكن كانت هناك مدرسة صويلح، وقد تولى د. عبد الكريم خليفه أخذه من السلط إلى صويلح.

ذهابه إلى صويلح وخلعُ لبسه التقليدي "القمباز/ الكبر"، وارتداؤه البذلة بعد أن "علمتني أمي كيف ألبسها"، كان يعني دخوله عالم الأفندية، وما هي إلا أسابيع حتى أتته شهادة نقل إلى مدرسة السلط، وبقي هناك حتى تخرج العام 1952.

درّسه في السلط احمد اللوزي وشوكت تفاحه، والراحلون حسن البرقاوي وحافظ العزب ومنصور الداود، وزامل محمد توفيق وفتحي الكايد وعبد الرزاق الريان ومسلم قاقيش وعبد الله الظاهر وغيرهم.

العام 1952 عين معلما في وزارة المعارف، في مدرسة عقبة بن نافع لكنه لم يطل البقاء، إذ عقد العزم على الاتجاه للدراسة الجامعية. ومع أن رغبة والده كانت أن يتجه لدراسة القانون، إلا أنه سمع من أخيه الأكبر الراحل عواد لذي كان يشتغل مساحا و"كانت صورة المهندس بنظرة كبيرة" وأصر عليه أن يدرس الهندسة.

دراسة الهندسة في بغداد بدت صعبة جدا عليه كونه كان درس الفرع الأدبي في السلط "سجلت في كلية الهندسة وإذ بي أواجه عدة صعوبات وكان معدل دراستي يوميا عشر ساعات خوفا من أن أعود للسط ساقطا".

منتصف العام 1953 جاءته النتيجة بإكمالين في الفصل الأول "فرحت لأن أمل النجاح صار قريبا بنظري وقلت مع مزيد من الدراسة أتخطى صعوبة الإكمالين". وواصل الجهد بأقصى طاقة، وفي نهاية السنة وإذ به يمرض وترتفع حرارته وجاءني صديق اسمه منذر شاكر رعاني هو وأسرته، وجاء الامتحان النهائي "وانتظرت النتيجة فإذا بي راسب، فحملت رسوبي وعدت إلى السلط".

العودة للسلط من بغداد راسبا بسبب "صعوبة الدراسة ووضعه الصحي كان محل تفهم من والده وأخيه، وعندما سئل عن رغبته بدراسة الحقوق، قرر أن يذهب لدمشق وفيها التحق بكلية الحقوق العام 1954.

كانت الدراسة صعبة في دمشق، والمدرسون على مستوى عال من القدرة والكفاءة، اجتاز أبو معن السنوات الأربع بنجاح، وفي السنة الثالثة ولدى الفحص الشفوي في مادة الحقوق الإدارية للدكتور مصطفى البارودي كانت إجابته على مستوى ممتاز "كنت أتحدث الفصحى، كان البارودي ورئيس استئناف دمشق والنائب العام هم الهيئة الفاحصة، وكانت علامتي تسعين، والأول على أربعمائة طالب".

درسه في دمشق الراحلون د. مصطفى السباعي و البارودي ورزق الله الانطاكي وعدنان القوتلي ومعروف الدواليبي، وزامله عبد اللطيف خليفة وتيسير الديري قاضي محكمة تمييز سابق، وحسن الدجاني.

في السنة الرابعة، وبسبب ضيق ذات اليد "عملت مدير مدرسة في منطقة يبرود براتب شهري قدره ثلاثمائة ورقة سوري"، وفي تلك الفترة جاء الراحل يوسف المبيضين للدراسة، "فأتيت من يبرود واستأجرت غرفة سكن فيها يوسف المبيضين ووليد الحاج حسن، وفي الغرفة الثانية سكنت أنا وأخي عبد الرزاق".

انخرط مبكرا بجماعة الإخوان المسلمين في العامين الأخيرين له بمدرسة السلط، ونظمه في الحركة الراحلان منصور الحياري ومحمد عبد الرحمن خليفة، وفي دمشق استمر إخوانيا، وربطته علاقة وطيدة مع د. مصطفى السباعي وعصام العطار وهما من أقطاب السياسة والدين في دمشق.

عودته للسلط أواخر الخمسينيات محاميا دفعته للتدريب في مكتب ابن عمه المحامي عبد الرزاق خليفة، لكنه لم يطل البقاء فبعد شهرين تقدم هو ومجموعة من خريجي تلك السنة منهم تيسير الديري ومظهر مهيار وعيد الزعبي للعمل بوزارة العدل.

لعدم وجود الشاغر الذي يستحقه كجامعي، عين بالدرجة التاسعة، وكانت أول وظيفة عدلية له كاتبا في محكمة استئناف عمان التي كان يرأسها الراحل "عبد الرحيم الواكد الذي رعاني إلى درجة أنه كان يطلب مني أن أبقى في غرفة مذاكرة القضاة وهم يتداولون الأحكام كي ازداد خبرة".

تدرج في الرتب القضائية وعين مدعيا عاما لمعان مطلع العام 1960، وتنقل في مواقع قضائية متعددة أدى فيها خدمة في مدن عديدة؛ الرمثا والكرك ونابلس والقدس.

في العام 1974 عين مستشارا إعلاميا لرئاسة الوزراء لمدة شهرين، ومن ثم عندما نقل الراحل عيسى طماش مستشارا للرئاسة عمل معه على تأسيس ديوان للتشريع بناء على رغبة زيد الرفاعي آنذاك.

بقي مستشارا قانونيا حتى الأول أيار (مايو) 1978، ليدخل المحاماة التي استمر فيها حتى العام 1988 "يوم استدعاني زيد الرفاعي وقرر تعيني مستشار قانونيا بأعلى الدرجة العليا في ديوان التشريع".

بعد عام فقط استدعاه رئيس المجلس القضائي آنذاك عبد الكريم معاذ، وعرض عليه التعيين في محكمة العدل العليا التي بقي فيها من 1989- 1997، ليحيل نفسه على التقاعد".

سبب الإحالة على التقاعد كان لأنه اتخذ موقف مناصر للحرية، وإذا كان أبو العثم لا يريد ذكر التفاصيل، إلا أن التاريخ يذكر أنه انتصر كقاض لقضية جريدة الميثاق وأنصفها عندما رفض توصية مجلس الوزراء العام 1997 بعدم منح الجريدة ترخيصا بالصدور.

في العام 1997 عاد إلى المحاماة، وفي العام 2004 عين وزير دولة للشؤون القانونية في حكومة فيصل الفايز، وهو يؤكد أن الفايز اتصل به مباشرة من دون وسيط وطلب إليه أن ينضم إلى الحكومة.

وفي حكومة الفايز أنيطت به مسؤولية رئاسة اللجنة الوزارية العليا لمكافحة الفساد، والفساد برأيه صعب الإثبات في الأردن، "إذ لا بدّ أن تتوفر أدلة لتقتنع أن هذا الشخص ارتكب جرما".

في العام 2005 عاد إلى مكتب المحاماة، ثم رشحته الحكومة قاضيا في المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية، وأقر مجلس الوزراء العرب وممثلو الدول العربية في الجامعة العربية تعينه عضوا في المحكمة "وعندما التأم القضاة المنتخبون من الدول العربية رشح أربعة قضاة أنفسهم لمنصب الرئيس، وكنت واحدا منهم وبفضل الله تم اختياري رئيسا، واختيار الرئيس ذو طابع قضائي، بينما التعيين عضوا في المحكمة سياسي".

اختير أبو العثم ليكون واحدا من ثلاثة قضاة عرب يعملون على حل الخلاف بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية. وقد اختير إلى جانبه قاضيان؛ تونسي ومصري، ولكن لم يتح لهذه اللجنة أن تقوم بأي جهد لأسباب يعزف أبو العثم عن ذكرها.

ذاكرته وهو قاضي بداية في القدس 1967 لا تنمحي، يوم الاثنين الأول من شهر حزيران (يونيو)، حين بدأ الهجوم الإسرائيلي "طلب مني محام كبير اسمه خليل السلواني ضرورة الإسراع بالعودة للسلط لأن الهجوم بدأ، ولما كنا معبأين إعلاميا أصريت على البقاء، وكنت أسكن في رام الله".

ويضيف "رفضت العودة مع بداية الحرب، ظنا مني أن النصر قريب، وان حيفا ويافا في متناول النصر"، ولكنه لما رأى الطيران فوق رام الله يوم الأربعاء، انكشفت له النتيجة "تبين لنا أن الحال غير ما أملنا".

بعد حسم الأمر بالعودة من رام الله، كان بلا سيارة والمواصلات صعبة، "ثم يسر لنا محام اسمه مختار جرار العودة بعد أن سألني عن سبب وقوفي بالشارع، فقلت له: انتظر سيارة أو ترك لانتقل وعائلتي إلى ريحا"، فحمله جرار إلى ريحا و"لما وصلنا قابلت قائم المقام وهو سالم القضاة ابن بلدي، وحصلنا على ترخيص بتعبئة سيارة المحامي بنزينا".

بقي أبو العثم ملتزما بحركة الإخوان تنظيميا حتى أول سنة له في خدمته القضائية، وكان قرار الانقطاع لسبب أنه في يوم ما "ترافع أمامي محاميان الأول محمد عبد الرحمن خليفة ابن عمي وأستاذي والثاني الراحل سليمان الحديدة وهو من بلدي وقيادي بحزب البعث، فشعرت بالفطرة وقبل أن يكون هناك أي نص تشريعي لا يُجوّز الجمع بين القضاء والحزبية".

يأخذ أبو العثم على مجلس نقابة المحامين أنه لما عين رئيسا للمحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية، صدر عن مجلس نقابة المحامين قرار يرفع اسمه عن سجل المحامين المزاولين "بصورة مفاجئة ظنا من المجلس أن إقامتي الدائمة ستكون في القاهرة وأن دوامي هناك"، وهذا ما دعاه إلى إقامة دعوى أمام محكمة العدل العليا وتقديم طلب بوقف نفاذ قرار المجلس لأسباب بسطها في الطلب، فأصدرت المحكمة قرارها العاجل بوقف نفاذ قرار مجلس نقابة المحامين.

خبرته في اللجان العربية والدولية والقانونية كبيرة، جمعته مع قانونيين عرب لوضع مشروع الاتفاقية العربية لمقاومة الإرهاب. وهو مهتم بقضايا الإصلاح واستقلال القضاء والمجتمع المدني وله عدة أوراق عمل وكتابات صحافية متعددة، كما إنه مؤلف لعدة كتب مرجعية، منها "القضاء الإداري بين النظرية والتطبيق"، قدم له الفقيه احمد كمال أبو المجد، وكتاب "من أروقة القضاء"، وقدم له الراحل سعد جمعة."

ومؤخرا أنجز ما نشط لأجله عبر الأعوام الأخيرة في السياسة والقضاء والإرهاب، وجمعها في كتاب صدر باسم "حصاد السنين: أبحاث ساخنة في قضايا معاصرة"، بتقديم احمد اللوزي. أما قراءاته فأكثرها بالقانون وهو يعشق " الأدب والشعر المقفى وأحب الهجيني وأغاني بلادنا".

العام 1959 تزوج من السيدة هند أحمد الرشيد من السلط، وأنجب منها د. معن مدير عام مؤسسة تشجيع الاستثمار، ومحمد الذي درس الحقوق وأماني التي تحصلت على الماجستير في الصيدلة، وبسمات التي درست الصيدلة أيضا، أما هلا فدرست الحقوق، وهي اليوم مديرة في هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، وسرات مهندسة معمارية، وهند طبيبة أسنان في القوات المسلحة، وكان لأم معن "الفضل الكبير في صياغة الأولاد والأسرة بالشكل الذي أراه سبب سعادة لي".

د. مهند مبيضين
عن جريدة الغد
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))