كمال قاقيش .. الباشا اذ يرحل بهدوء



من المؤكد ان الضابط في سلاح الهندسة الملكي كمال قاقيش قد فرح كثيرا لحظة الاعلان عن طرد الجنرال كلوب باشا وتعريب الجيش عام 1956 ، لياخذ الضباط الاردنيون دورهم الوطني ، اذ لم تمض ثلاث سنوات على ذلك التاريخ حتى اصبح كمال قاقيش قائدا لهذا السلاح الذي اسهم في تأسيسه قبل سنوات .

ولد الباشا كمال قاقيش في مدينة السلط عام 1927 ، وفي مدرستها الثانوية انهى دراسته ، ليتعرف على زملاء الدراسة القادمين من مختلف المدن الاردنية.اختار الدراسة العسكرية ، وكانت بغداد وجهته حيث التحق بكليتها العسكرية ، لينتسب بعد تخرجه مباشرة للجيش العربي ، ويسهم مع الضباط الاردنيين في بناء المؤسسة العسكرية الوطنية بعد رحيل الضباط الغرباء .

انتقل للعمل في مديرية الامن العام ، وتدرج في الرتب والمسؤوليات حتى اصبح مساعدا لمدير الامن العام ، ليتقاعد من منصبه وهو يحمل رتبة لواء حيث استحق لقب الباشا . خبرته العسكرية وكفاءته دفعتا به ليكون عضو مجلس امناء في جماعة مؤتة التي تضم جناحا عسكريا متطورا.ومن خلال عضويته في مجلس ادارة جمعية الثقافة والتعليم الارثوذكسية تعرف الراحل على حجم الدور الذي لعبه الارثوذكس العرب في ميدان الثقافة والتعليم ، وتعرف الى اسماء المبدعين الذين قدموا خدمات جليلة للوطن والامة ، وكان مثل غيره من العرب الارثوذكس منحازا للكنيسة الارثوذكسية في القدس ، والدعوة لتعريبها ودعم رسالتها في التصدي لسياسة التهويد والمصادرة .

وقد اشرف الباشا بحكم موقعه على بناء عدد كبير من المدارس التي فتحت ابوابها للجميع ، وهي ترفع من شأن العملية التربوية في البلاد .

شغل منصب نائب رئيس جمعية المصدرين الاردنيين ، وتعرف الى اسرار العملية الاقتصادية ، ودور الصادرات الاردنية في دعم الدخل القومي ، وتقديم صورة حسنة للجهد الصناعي الوطني.ربما كانت واحدة من لحظات سعادته الغامرة ما لمسه بنفسه في حزيران 2003 ، حين حصل نجله الدكتور رائد قاقيش على ثقة الناخبين في مدينة السلط ليحجز مقعده في البرلمان الرابع عشر ، ولم يدخر الوالد جهدا في تلك الفترة لدعم المشروع الذي حمله الابن ، باعتباره مشروعا شبابيا يهتم بكل شباب الوطن.وشغل قبل رحيله منصب رئيس مجلس ادارة شركة وطن الفضائية للبث ، وعمل على ان تكون الفضائية لكل الوطن من خلال سياستها الاعلامية المسؤولة ، وقد سجل الراحل بالصوت والصورة بعض الصفحات المهمة في حياته المهنية في ستوديوهات الفضائية ، ما يتطلب العمل على نشرها كمذكرات لتكون تجربته في متناول الاجيال الشابة .

واحد وثمانون عاما ، ظل فيها الباشا كمال قاقيش سلطيا ، بقدر ما كان اردنيا وعربيا ، لذلك كان طبيعيا ان يكون عضوا في لجنة اعمار السلط ، وان يغمر الفرح قلبه عند اختيار السلط مدينة للثقافة في الاردن . من المؤكد ان الباشا "ابو رائد" قد وقف اكثر من مرة على تلال السلط ، وجال بنظره غربا وهو يعرف ان فلسطين على مرمى نظرة من مسقط رأسه ، وهو العسكري المتمرس العارف باسرار اللعبة السياسية.جمعيات كثيرة افرد لها الباشا من وقته الكثير ، وكان حريصا على نسج علاقات طيبة مع مختلف فئات المجتمع السياسية والاجتماعية ، في وقت يحرص السلطيون على سماع رأيه في مختلف القضايا التي تهم المدينة وابناءها .

اختير عضوا في اكثر من جمعية للصداقة ، ومنها الايطالية واليوغسلافية واليونانية والصينية ، ظل فيها حريصا على تقديم صورة بهية للاردن.يحمل اوسمة النهضة والكوكب والاستقلال واليوبيل الفضي والخدمة المخلصة والقبر المقدس والارز اللبناني ، وفي هذا اعتراف بدوره الوطني والاقليمي والدولي .

الباشا كمال قاقيش واحد من البناة المؤسسين الذين اسهموا في تكريس ركائز الدولة العصرية في الاردن ، ويؤكد الذين تعاملوا مع الباشا انه يملك عقلية منفتحة ، وظل صدره يتسع لسماع الرأي الاخر والحوار معه ، رغم التقاليد الصارمة التي تفرضها المؤسسة العسكرية على منتسبيها.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))