حسني فريز .. أفنى عمره بين هياكل الحب



ينتسب حسني فريز إلى أسرة دمشقية عريقة، تسمى خزنة كاتبي أي كاتب الخزنة، وقد ارتحل جده الحاج حسين مصطفى من حاضرة الشام دمشق إلى عاصمة البلقاء السلط عام 1860 م ، وكان للحاج حسين خبرة جيدة بالتجارة، فعمل على افتتاح متجر صغير في السلط ، وقد ساعده هذا المتجر، بالإضافة إلى حسن أخلاقه وطيب معشره فنمت تجارته وحسن حاله . وقد أنجب الحاج حسين ابناً وحيداً هو فريز من زوجته الأولى ، وكان فريز نحاتاً وبناءً حيث ساهم في زخرفة المسجد الحسيني في وسط عمان ، وقد اقترن بالسيدة خديجة أبو رصاع من نابلس ، و أنجبا حسني ومحمد وحمدي ، وأربعا من الإناث : لطيفة وهدية وسامية وهند.

ولد حسني فريز على الأرجح في شهر آذار سنة 1907 م ، حيث نشأ في بيئة عادية متوسطة الحال، ضمن رعاية والديه ومع إخوته ، وكونه الابن الأكبر فقد تحمل المسؤولية باكراً، لكي يساعد والده في تحمل أعباء الحياة، وقد عمل في طفولته في بيع الكوسا حيناً، والعمل مع والده في البناء أحياناً أخرى ، فكان يحمل التراب المخلوط بالشيد، ويحصل على النقود مقابل ذلك من صاحب العمل ، بعد ذلك اشترك مع والده في استئجار دكان يمارسون فيها التجارة وكان ذلك في حدود العام 1918م، وعند تأسيس الإمارة عمل حسني فريز لدى خال له في دكان في عمان، غير أن الحال لم يعجبه، فترك العمل وعاد إلى المدرسة التي لم يقطعها حتى أتم الثانوية بتفوق سنة 1927م، غير أن بداياته في الدراسة كانت كما هو سائد في تلك الفترة ، فتعلم مبادئ القراءة والحساب على يد الشيخ عبد الحليم زيد الكيلاني في الكتاتيب ، وقد كان كتابه تحت شجرة توت كبيرة ، أما المرحلة التالية فهي الانتقال إلى المدرسة الحكومية التركية التي اعتمدت التعليم باللغة التركية، لكن مع قيام الإمارة وتأسيس المدارس الابتدائية والثانوية العربية التحق حسني بها، وقُبِل في الصف الرابع عام 1921 م ، وأنهى دراسته الثانوية في مدرسة السلط الثانوية سنة 1927 م .

وقد تأثر فريز بعدد من المدرسين من أمثال: محمود الكرمي ورشيد بقدونس وسعيد البحرة . وبما أن حسني فريز متفوق دراسياً كان قد يكون أول من حصل على بعثة دراسية، لإكمال دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت ، حيث تخصص في التاريخ بالإضافة إلى تخصص فرعي بالأدب ، وقد حصل على الدرجة الجامعية الأولى البكالوريوس عام 1932م. عند عودته إلى الأردن عمل في مجال التدريس في مدينة السلط ، لكنه اتهم بتحريض الطلبة على الإضراب عام 1935 م، فنقل تأديبياً إلى عمان، ومن بعدها نقل إلى الكرك ، لكنه عاد بعد ذلك إلى التدريس في مدرسة السلط الثانوية للبنين، وأصبح مديراً لها عام 1944 م ، ومن ثم عين مفتشاً للمعارف سنة 1946 م، وبقي مفتشاً حتى العام 1952 م، عندما نقل إلى عمل آخر دون رغبته، حيث أصبح مراقباً للاستيراد والتصدير مع انه لا يملك دراية بهذا العمل ، وفي العام 1958م تم الاستغناء عن خدماته، مع مجموعة من الموظفين منهم مصطفى الدباغ ، عبد الحليم عباس، وجميل المعشر، على اثر التقلبات السياسية التي مرت بها الأردن في تلك الفترة. استغل حسني فريز هذا الظرف وانصرف لكتابة الشعر والتأليف الأدبي ، وكان شعره قريب من نبض حياة الناس، يعالج من خلاله القضايا الوطنية والعيوب الاجتماعية السائدة ، وكذلك مساوئ الانتداب والفقر والحرمان ومحاربة العادات البالية ، وتوضح في نتاجه الأدبي حبه للطبيعة والمرأة ، ومحافظته على القيم الطيبة، والإخلاص للأحبة والأصدقاء ، وقد كان لمعلميه دور بارز في بناء شخصيته وتوجهاته الوطنية ، أما الجامعة والإقامة في بيروت فقد ساعدته في التعرف والانفتاح على الثقافات المختلفة ، وجعلت منه إنساناً صاحب نظرة علمية متفتحة انعكست في عمق ولائه وانتمائه لوطنه الأردن، ولمدينته وعشقه الدائم السلط ، فكثيراً ما تغنى بها وبربوع وطنه الأكبر الأردن.

في عهد حكومة هزاع المجالي أعيد حسني فريز للوظيفة في وزارة التربية والتعليم سنة 1959م ، وعين مساعداً لوكيل وزارة التربية والتعليم ، وفي العام 1962 أصبح وكيلاً لها أمينا عاما ، وقد استمر في هذا المنصب حتى أحيل على التقاعد عام 1963م ، بعد ذلك وللمكانة الشعرية والأدبية التي حصلها، ولما عرف عنه من تفانٍ في العمل، عين مستشاراً ثقافياً في وزارة الإعلام والثقافة في نفس العام الذي تقاعد فيه ، ثم انتقل ليعمل مستشاراً ثقافياً للتلفزيون الأردني، بالإضافة إلى عمله في لجنة المناهج الأردنية منذ العام 1966 م وعضوية مجمع اللغة العربية، وهذا يؤكد المكانة التي تمتع بها هذا الشاعر والخبرات الكبيرة التي حصل عليها أثناء خدمته المتعددة المراحل.

نتاجه الأدبي كبير ومتنوع، من شعر وكتابة أدبية وترجمة ، حيث اصدر في الشعر الدواوين التالية: هياكل الحب، الجزء الأول 1938م، ديوان بلادي 1956م، ديوان غزل وزجل وهو شعر بالعامية سنة 1977م ، وديوان هياكل الحب الجزء الثاني سنة 1985م. أما في مجال الرواية فلقد أصدر مغامرات تائبة 1966 ، وحب في الفيحاء 1972م، ورواية العطر والتراب 1984م، وكذلك رواية جنة الحب الصادرة عام 1988م .

وفي القصة القصيرة له قصص ونقدات و قصص وتمثيليات ، وله كتابات في السيرة والمسرح والعديد من الترجمات وكتابات للأطفال، وبعض الكتب باللغة الانجليزية. 

لقد حاز حسني فريز على التقدير والتكريم الذي يستحقه حيث نال وسام الكوكب الأردني سنة 1950م، ووسام التربية من الدرجة الأولى سنة 1971م ، ونال أيضاً وسام القدس للثقافة والأدب والفنون من فلسطين . في أواخر العام 1989 م أصيب فريز بمرض القلب فلزم الفراش ، حيث عانى من ويلات المرض، وفي الرابع من كانون الثاني عام 1990 م توفي حسني فريز الأديب والشاعر والمربي الفاضل، عن عمر أنفقه في العمل الجاد، وترك وراءه إرثاً أدبياً كبيراً سيبقى يذكر به على مر الزمن.

هزاع البراري
جريدة الرأي
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))