القاضي موسى الساكت



ان الحديث عن موسى الساكت هو حديث عن أحد رجال القضاء والقانون من الرعيل الأول وأحد الرواد الكبار الذي كان له الفضل الكبير في بناء وترسيخ المؤسسة القضائية الأردنية مع البواكير الأولى للدولة الأردنية.

ولد المرحوم موسى الساكت في مدينة السلط عام 1910 ونشأ وترعرع فيها وأتم دراسته الابتدائية والثانوية في مدرسة السلط الثانوية حيث التحق بعدها بمعهد الحقوق في دمشق وتخرج منه محامياً عام 1932 مارس المحاماة لمدة سنتين وعُين بعدها بوزارة العدلية عام 1934 ، ليتسلم بعدها عدة وظائف قضائية بناء على سلمه الوظيفي. أما عن طبيعة شخصية موسى الساكت فقد تحدث الأستاذ عمر العرموطي قائلاً: موسى الساكت كان صاحب مدرسة وكانت له صفات شخصية فريدة كان ذكياً ومثابرا ومتواضعا وحسن الخلق وكان لشخصيته أثر بارز في ظهوره كرجل عدل فكان تكوينه النفسي هيئة سلفاً أن يكون قاضياً ، رجل عادل ويحب الحق ، ويحب العدل فكان قاضيا في تكوينه الشخصي وهذا مهد الطريق لدراسته للقانون الذي اختاره بإرادته. وقد سجل في تاريخ المملكة الأردنية الهاشمية بصمات كبيرة جداً فيما يتعلق في الاجتهاد القضائي وكان له دور بارز في استخدام قانون السلطة القضائية ، والمشهود لهذا الرجل أنه عبر تاريخه الحافل كما تعلم في الثلاثينات إنجاز دار لنقابة المحامين ولم يكن هناك إنجاز في مجال المحاماة ، وإنما كانت تعقد لجنة من وزارة العدل ومن عدد من المحامين والقضاة باجتياز في مهنة المحاماة وبالتي قبل أن تتأسس نقابة المحامين عام 1950 ، بمعنى أنه حاصل قبل تأسيس نقابة المحامين عام 1950 على مزاولة مهنة المحاماة وتسلسله في مراحل من كاتب إلى مدعي عام إلى قاضي إلى رئيس محكمة إلى أعلى سلطة قضائية حيث أنه أصبح رئيس لمحكمة التمييز والعدل العليا لفترة طويلة ، حيث في ذلك الوقت كانت تضم عددا قليلا جدا ما يتجاوز 12 قاضيا لمحكمة التمييز ومحكمة العدل العليا ، وبالتالي لم يكن هنالك تراكم في القضايا نتيجة انه يبت بها بصورة سريعة. كان مكتبه مفتوحا للجميع ، أبوابه غير مغلقة ، يلتقي بزملاءه القضاة ، يتباحث معهم في تداول القرارات والقضايا ، يتفهم مشاكلهم ، قريب منهم ، لا يسمح لأحد التدخل في شؤون القضاء.

وفي مجلس الدستور الأردني كان يحصل على ثقة زملائه مطلقاً كان يتمتع فيها من قبل زملائه لا خلاف عليه كان محل إجماع أبو عوني إن قانون استقلال القضاء التنسيد التي حال على التقاعد عندما ينسب وزير العدل عدد من القضاة على التقاعد كان أبو عوني رحمه الله يتصدى له يقول له: أوجد لي البديل حتى أستطيع أن أوافق على إحالة أي قاضي على التقاعد والقاضي كان عزيز في ذلك الزمن وبالتالي حافظ على هيبة القضاء وعلى هيبة عدم تدخل السلطة التنفيذية بالإحالة على التقاعد. لو جئنا إلى جانب آخر من حياة موسى الساكت عندما ترأس محكمة الاستئناف ثم فيما بعد المحاكم العليا في التدرج في حياته والانتقال إلى أن أصبح أعلى سلطة قضائية هذا يعكس جانب من شخصيته المهنية فهذا يدل على بعد النظر عنده عمقه في دراسة الفكر القانوني ، شخصيته المميزة التي أهلته إلى أن يصل تأهيله ليس عن طريق الحكومة هذا يصدر في قرار مجلس قضائي وبالتالي تعيينه يكون في مستوى رفيع من زملائه القضاة وكانت هناك محكمتين محكمة العدل العليا ومحكمة التمييز وبالتالي عندما كان هناك محكمتين محكمة العدل العليا ومحكمة التمييز وبالتالي عندما كان هناك محكمة عدل عليا كانت الآن مستقلة إلى هيئة قضاء ورئيس محكمة عدل عليا ورئيس محكمة التميز الآن عندما كان الأستاذ موسى الساكت كان يجمع بين رئيس محكمة التمييز ورئيس محكمة العدل العليا وبالتالي الآن انفصلت وأصبحت لكل محكمة دور وبالتالي أنا باعتقادي أنه ما أوصله إلى هذا المركز الحساس بثقة المجلس القضائي فيه إلا دليل على قوة صحبته وقدرته على إدارة بت السلطة بامتياز ، بامتياز كبير ، وعمل أيضاً رئيسا لمحكمة التمييز وكان رئيساً ثانيا لها ثم اصبح في عام 1964 الرئيس الأول. 

وكان يوجد في القانون رئيس أول ورئيس ثاني وعندما كان علي مسمار القاضي الأول كان هناك تدخل في القرارات التي تصدر جاءوا ليعطوا الساكت أعلى من رئيس مجلس قضائي ورفض وأبقى على الأستاذ علي مسمار هذا الإيثار الذي كان يتمتع فيه حتى أن الأستاذ عندما أصيب بالمرض رحمه الله عليه ، وذهب إلى بريطانيا ، وجاءه السفير الأردني في بريطانيا كان طاهر المصري في ذلك الوقت وقال أن الحكومة على استعداد لمعالجتك قال: "لا أنا ما جئت هنا إلاّ لأن أعالج على حسابي الخاص بما أن أوضاعي المالية الحمد لله متوفرة" ، فرفض إلا على حسابه الخاص هذه الميزات لا يتمتع بها اي رجل.

وحتى عندما كانوا محاضرين من مصر أو من دول عربية يتحدثون كخبراء في مواضع القوانين والعدل العليا ومحكمة التمييز والقرارات ، كان يتصدى رحمة الله عليه لمناقشتهم في مجمع نقابات ويحاجل بقوة ومن ثم يعتذر هؤلاء الذين كانوا يحاضرون ويقولون أن ما قاله الأستاذ موسى الساكت هو الصواب كانت مشاركاته كبيرة عندما كانت خبراء القانون الدولي والمحامين كأسرة واحدة كان يحضر موسى الساكت ولم يرتق عن هذه المحاضرات وكان يحاور ويحاجل بين صحبته القوية وكانوا يعتذرون على المهنة ويرجحون عن أقوالهم وقراراتهم بسبب الحجة القوية الذي كان يبذلها الأستاذ موسى الساكت وكان قريبا من المحامين وأيضاً سجل موقفا بتعاونه مع نقابة المحامين وأسرة المحاماة باعتبارهم طرفي جناحي العدالة. بعدها أصبح رئيساً لمحكمة العدل العليا عام 1972 ، واستمر إلى عام 1986 ، وأحال نفسه على التقاعد فهذه تمثل أعلى سلطاته في مجال القضاء.

كان رحمة الله على رأس محكمة العدل العليا وكان مشهودا له أنه كان يلغي القرارات التي كانت تصدر عن الحكومة لمخالفة القانون أو استعمال الحق كقرارات إدارية ويراقبها ولا يهان من أي قرار فيما لو وجد أن الشكلية غير متوفرة أو أن أسباب الطعن محل شك كان يلغي القرار وبجرأة وبكثير من الحقوق والتي تمس في مراكز القانونية الأردني كان يلغي قرارات الحكومة إلى أنه من اختصاص محكمة العدل العليا ؟؟ القرارات التي تصدر عن السلطة التنفيذية كثير من القرارات تاريخية تتعلق بحقوق الإنسان والقضايا العامة كان المرحوم يلغيها أو يلغي القوانين التي تتعارض مع الدستور.

لقد كان موسى الساكت صفحة ناصعة في تاريخ الأردن وأتمنى أن يكرم عميد القضاء الأردني المرحوم موسى الساكت فهو صاحب مدرسة متميزة هي مدرسة النزاهة والعدل ومدرسة تخرج منها الكثيرون من هذا البلد وأبناء المؤسسة القضائية.

لا شك أن شخصيته متميزة ، سنبقى حافظين لود وعهد المرحوم أبو عوني رحمه الله ونسجل له مواقفه وهو نموذج يقتدى به وهو مدرسة من المدارس الناجحة ويجب أن تدرس سيرته وقراراته في جامعاتنا وفي مدارسنا ونترجم في هذه المناسبة على روح المرحوم أبو عوني.

هكذا ترك موسى الساكت خلفه تراثاً ضخماً من الاجتهادات التي تشكل مرجعا لكل المهتمين بالعدالة قضاة ومحاماة وباحثين ، نال حبهم واحترامهم في حياته ومماته وستظل ذكراه حية في نفوسهم بعد رحيله رحم الله موسى الساكت وكل الرواد من بناة هذا الوطن.

هشام عودة
جريدة الدستور
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))