مِن مهجة القلبِ ضُخوا في مبانيها ... هاشم القضاة


لمّا سرينا قبُيلَ الفجِر نبنيها هتفتْ بنا السلط من أعلى روابيها 
 لا تبخلوا قلعةَ التنوير طِلبتَها اعلوا«مدامكَها» من أموالِ أهليها
 وإذا شكا الحالُ من بأساءِ صاحبهِ من مهجةِ القلبِ ضخوا في مَبانيها، 

إنّها ثانوية السلط،أُمُّ المدارس،وقلعة التنوير التي سارع أهلها إلى تلبية دعوة اللجنة الملكية العليا المعنية بتطوير المدرسة المذكورة للمشاركة بالحفل الخاص الذي أقيم في رحابها يوم الأربعاء الماضي بمناسبة مرور تسعين عاماً على تشريف المغفور له ا لملك المؤسس عبد اللّه الأول ابن الحسين لموقع المدرسة في السلط ،ووضع حجر أساسها في الثاني عشر من حزيران عام ثلاثة وعشرين من القرن الماضي ،وحتى وقت قريب كان لا يزال بيننا من المعمرين الذين حضروا ذلك اليوم المشهود،,واطمأنت قلوبهم بأنّ مدرسةً ثانوية ستنهض فوق تلة الجادور لتخلّصهم وتخلّص أبناءهم وأحفادهم من الجلوس على حصائر الكتاتيب المهترئة ،وأنّ عهداً جديداً من التعليم الثانوي الراقي سيبدأ مع قيام الإمارة الهاشمية.

الأربعاء الماضي استذكر أبناء محافظة البلقاء الدور العظيم الذي نهضت به ثانوية السلط في إعداد الرعيل الأردني الأول الذين تولوا مسؤولية إدارة الدولة الأردنية الحديثة،وإذا كان لنا أن نقف على أهمية ذلك الدور عدنا إلى السؤال الذي سبق للدكتور هاني العمد أنْ طرحه من قبل وقال فيه:ماذا لو أنّ أهل المدينة لم يقوموا ببناء ثانويتهم في ذلك المفصل الرئيس من حياة الأردنيين؟ماذا لو تأخر إنشاؤها عشر سنوات على الأقل ؟هل كان بالإمكان الوصول إلى ما أوصلتنا إليه مسيرتنا الأردنية المظفّرة؟

وثمة أسئلةٍ أخرى تثير في نفوسنا الإعجاب والحيرة في آنٍ واحد عندما نقول:كيف تنبَّه أهلُ المدينةِ وأغلبهم في ذلك الحين من الفلاحين الطيبين ،كيف تنبهوا باكراً إلى أهمية الاستثمار في الإنسان الأردني وأعطوه الأولوية الأولى على كل الأولويات الملِحّة ؟وأيُّ وعيٍ فطري تفجّر في داخلهم وحدا بهم لبيع محصولاتهم من الحنطة والزبيب ليتبرعوا بأثمانها لإعلاء صرح مدرستهم الجديدة؟وأيُّ انتماءٍ وطني ذلك الذي دفع ببعض رعاة الغنم أن «يختزّوا»من حصتهم في المواليد ويسوقوها إلى «مواقف الحلال «منذورةً أثمانها لمدرسة السلط الثانوية ؟وما الذي دفع بنزلاء سجن السلط لأن يتظاهروا ويرفعوا صوتهم في وجه حراسهم مطالبين بالمساهمة بفتح كامل الطريق المؤدية إلى تل الجادور الذي أُقيمت عليه المدرسة؟لماذا لم يفكر جميع المتبرعين في ذلك الحين فيجعلوا من ذلك الصرح التعليمي العالي استثماراً ربحياً يعود عليهم بمردودٍ مادي كبير؟ وأيّ مشاعر تضحيةٍ، وانتماءٍ، وولاءٍ ،ووفاءٍ للوطن ،تلك التي حدت بأصحاب الأرض التي اختيرت لبناء المدرسة للتبرع بها كاملةً وعن طيب خاطر؟إنها روح «العونةِ»التي كانت سائدةً لدى كل الأردنيين في ذلك الحين،وروح المواطنة الصادقة التي قدّر أهلنا معها التحديات الكبيرة التي واجهت الدولة في بدايات قيامها،لذلك لم يفكر أحد بمطالبة الحكومة بفلسٍ واحد من التكاليف الباهظة لذلك البناء الذي توفرت فيه كل معايير الحداثة والمواصفات الهندسية عالية الجودة،أين نحن اليوم من أهلنا الأوائل؟ وأين سنضع وجهنا منهم حينما نلقاهم غداً،ويقرأون في وجوهنا أننّا بتنا عالةً على موازنة الدولة نبتزّها بالإعتصامات المتتالية ؟ولا يفكر الموسرون منا على الأقل بأن يبادروا كما بادر أهل السلط بالتكفل ببناء مدرسة الأردنيين الأولى،وما كانوا ليمنِّوا بها على أهلهم الأردنيين بأيِّ شكلٍ من الأشكال،ليس فقط لإنَّ المِنّة تهدمُ الصنيعة ،بل لإنَّ أهلنا الأردنيين قدّموا لهذا الوطن وقدّمنا معهم أغلى من المال.

إنها دماء الأبناء التي جاد بها الأردنيون جميعاً دفاعاً عن تُراب الوطن وكرامة الإنسان،بقي القول: إنّ مدرسة السلط الثانوية تستحق مساعدة كلِّ قادرٍ على دعم مشاريع تطويرها التي تنهض بها اللجنة العليا وعلى رأسها دولة الأستاذ أحمد اللوزي ورفاقه المخلصون .
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))