رمضان في السلط بين الامس واليوم


يستقبل السلطيون رمضان كل عام بود شديد, وتوق لتقوية أواصر العبد مع خالقه, وتقوية أواصر المحبة بين الناس والاقارب.

وتبدو نهارات وليالي رمضان كما هي في سائر المحافظات من الصوم نهارا وإعداد مائدة الإفطار, ومن ثم الذهاب لصلاة التراويح وبعدها السهرات الرمضانية إما بمشاهدة المسلسلات أو بالقيام بالزيارات العائلية ثم قيام الليل حتى موعد السحور.

لكن السؤال كيف كان يبدو رمضان قديما ? وكيف كان السلطيون يقضون امسياتهم الرمضانية من دون فضائيات ووسائل اتصال حديثة من "نت" وخلويات وغيرها و وايضا بلا مظاهر تسوق ولا حتى تنوع الأطعمة التي نراها الآن.

هنا كان لا بد من طرح هذا السؤال على عدد من المعمرين وكبار السن, منهم من عاصر وعايش رمضان قديما, حيث اجمعوا ان رمضان قديما كان يحمل البهجة رغم توفر وسائل الراحة والرفاهية هذه الايام إلا أنهم يفضلون الاجواء الرمضانية القديمة التي غرست في ذاكرتهم, فأبت ان تنساها.

الحاجة ام احمد الشتيوي في التسعينيات من عمرها واحدة من هؤلاء الذين يذكرون ايام رمضان الماضية بالحب والود وتتحسر على الايام الخوالي, وعلى ايام رمضان مطلع القرن الجديد فتقول كنا نعلم بدخول الشهر من أصوات مدافع القدس القريبة جدا من مدينة السلط ولقلة الضوضاء انذاك فكنا نسمعها بوضوح, وما ان نسمعها حتى نبدأ التجهيز للشهر الكريم, وكنا لا نفطر حتى نسمع صوت المدافع أولا ثم الآذان, وكان فطورنا وعلى الاغلب سحورنا ايضا عبارة عن "الجريشة" المكونة من القمح أو "الرشوف" التمر والبندورة المكون من العدس واللبن, ثم بعد ذلك نصلي وننام, ونستيقظ باكرا ولم نكن نقضي نهار رمضان بالنوم كما هو الان.

وتقول ام احمد انه في بداية السبعينيات أصبح لمدينة السلط مدفع خاص بها كان يطلق من منطقة العيزرية/بجوار المقبرة وعن سهرات رمضان قالت: انها تحلو بالزيارات الأسرية التي فقدت الكثير من معناها الآن, وفقد الود والمحبة بين الناس.

ويقول أبو احيا عربيات أن الحياة اليومية لأهالي مدينة السلط تتبدل فور دخول شهر رمضان, ومن مساء الليلة الأخيرة من شعبان يبدأ "المسحراتي" او "ابو طبلة" كما كان يود الكثيرون تسميته في ممارسة عمله بين أزقة احياء المدينة داعيا للاستيقاظ عن طريق طبلة مصنوعة من الفخار وجلود الأغنام, وليس له راتب ثابت, بل ان أهالي الحي يعطونه حسب قدرة كل منهم, وكان الأطفال يسيرون خلفه يرددون ما يقول: 

يا نايم وحد الدايم 
لا اله إلا الله 
اقعد يا نايم 
وحد الدايم 
اقعد, اقعد واتسحر

وفي الأيام الأخيرة من رمضان يقوم المسحراتي بترديد بعض الأهازيج الخاصة بتوديع الشهر الكريم ويقول:

الوداع.. الوداع.. يا رمضان
يا شهر الصيام عليك السلام
رمضان كريم أبو الخيرات
رمضان كريم أبو الطاعات
عليك السلام يا شهر الصيام.

خالد الجزازي يحمل ذكريات خاصة, تكلم عن رمضان وهو يهز رأسه ألما وحسرة على الأيام التي مضت رغم قسوتها وصعوبتها لكنها كانت جميلة حسب وصفه,, فقد كانت الروابط فيها أقوى والناس يزورون بعضهم بعضا, رغم عدم وجود وسائل مواصلات او اتصالات, لكن يبقى الود والتراحم بين الجيران وأبناء الحارة الواحدة .

واكد ان أجمل ما يميز رمضان كان اجتماع الأهل معا سواء في الأكل وإعداده أو في العبادة, فقد كان الجميع يذهبون معا للمسجد سيراعلى الإقدام من أجل صلاة التراويح أو التهجد أو قيام الليل.

ويتابع الجزازي كنا نسهر على قراءة القرآن وحفظه فلا يوجد راديو ولا تلفزيون, لذا كان لرمضان شعور آخر وننسى عناءه ليلا, عندما نلتف حول جدتنا لتقص علينا الحكايات, والاساطير القديمة واستذكر الحاج الجزازي عادة تلاشت من المدينة وهي اقامة إقامة وليمة تسمى "الشعبانية" التي كان يقيمها الرجال لأخواتهم وخالاتهم خلال شهر شعبان وقبل بدء رمضان , أم صالح أبو رمان قالت بدورها: كانت الحياة في السابق قاسية وصعبة, والجو حار في أغلب أيام العام والشتاء أشد قسوة, إلا أن المحبة والالفة بين الناس كانت تلطف  الاجواء وقالت كنا نستعد للشهر الفضيل, بالدعاء وقراءة القرآن, وفي كثير من الأيام كنا نطبخ الطعام ونوزعه على الجيران والأصدقاء والأهل وتؤكد أم صالح أن لرمضان في بلدة أم جوزة حيث تقطن طعما خاصا, فتعابير الفرح والسعادة تبدو على وجوه الجميع, ففي لياليه تعلق القناديل نمرة (4) في أواسط بيوت الشعر, ويسهر السهار لمنتصف الليل يتجاذبون الحديث, مشيرة إلا أنها كانت تشاهد الحصادين في أوقات الصيف الحارة يذهبون إلى الحقول لحصد القمح, وهم صائمون, وكانوا أناس بسطاء يعرفن بعضهم بعضا, وفي رمضان يزدادون تقاربا فيطعمون الضيف والجار والغريب, ويجمعون المال للمعوزين والمحتاجين.

الدكتور معاذ الحياري من جامعة البلقاء التطبيقية يقول انه قد عايش موائد رمضان التي كانت تقام قديما وهو صغير حيث كانت تنتشر آنذاك عدد من الأكلات الشعبية البسيطة وغير المكلفة (كاللزاقيات والمطابق) وكانت الأدوات المستخدمة في إعداد الطعام بسيطة كذلك فهي عبارة عن مغارف خشبية وطناجر نحاس, حيث كانت عملية التبييض لها ولغيرها من أواني الطعام, هي السائدة في ذلك الوقت ويضيف الحياري لم يكن رمضان يميز بين الأغنياء والفقراء, فكان الغني يطعم الفقير والمقتدر, ويساعد أخاه المحتاج, حيث لم تكن هناك فروقات اجتماعية لان كامل المدينة كانت أسرة واحدة.

ويؤكد أن أجواء رمضان تغيرت كثيرا في مدينة السلط بسبب بعد الناس عن بعضهم بعضا مشيرا انه لم تعد هناك موائد إفطار مشتركة كما كان يحدث سابقا, حيث كانت الحارة تجتمع على مائدة واحدة, وتقدم كل عائلة طبقا خاصا, منوها إلى أن هذه العادة التي انتهت كانت تعمل على تقوية أواصر المحبة بين الناس هذا اضافة إلى مساعدة العائلات المحتاجة بطريقة محببة من دون إحراج.

وقال ان فروقات كبيرة بين ماضي رمضان حيث الألفة والود والمحبة بين الناس واقتسام رغيف الخبز وبين حاضر رمضان الذي يعني للناس الإسراف والتبذير في شتى أنواع الطعام والشراب ومتابعة المسلسلات والسهر في الخيم الرمضانية. 

وبين أن الناس هذه الأيام لا يشغلهم سوى الطعام والطبيخ المتعدد الأصناف والأنواع, حيث موائد إفطار تحتوي على أربعة أو خمسة أصناف, ولا يؤكل منها ربع الكمية بعكس الأيام الماضية حيث البساطة والزهد والتدبير.

معاذ عصفور
العرب اليوم
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))