السلط : بيت نعناع بزخارف مقتبسة من أوراق الشجر

هي مدينة تتخفى بين أوتاد الأرض إلى الحد الذي لا ترى منها سوى جهة واحدة ولكنها جهة صريحة في محبتها تتدلى بزهو وتنفتح باستدارة على بقية الجهات التي تتماهى معها.

كأنها بيت من النعناع بأربع عتبات أو يد مبسوطة ما فتئت تودع وتستقبل وتصير مأوى يزخر بعاطفة تعوض الفقد بحكم اتكاء تاريخها على التكافل، وسعيها الدائم لاستضافة الجمال الطبيعي والاحتفاء به منذ أن وشتها الطبيعة بملاذ عشبي شبه دائم يتمدد بين الفصول ويهيمن على العين بمهارات لونية تثير الدهشة والحب معا.

وإذا كان كل متجانس ومتصل يعني "المكان أو الحيز" فإنها متجانسة ومتصلة بغروبها الذي يحمر فتغدو كتلة ضوء وفجرها البلوري الذي لا يخلو من الصفاء الهادئ وشوارعها الحية وشرفاتها المطلة على الشوارع والساحات والأسواق، وتفردها عن بقية المدن الأردنية وربما عن المدن الشرق أوسطية، بمبانيها القديمة المبنية من الحجر الأصفر الذي يحتوي على تفاصيل نحتية كالبروزات والقباب والعقود المتقاطعة والزخارف الجميلة المقتبسة من ورق الشجر.

شعراء كثر حاولوا رسم مبسمها، ولكن هيهات أن يرسم هذا المبسم الغارق في اللذة، وهيهات أن تصل اللوحة بزيتها ومائها إلى مستوى الأصل الذي يروق له أن يحشر الكائن في شهقة الذهول.

ولأنها تحتاج إلى عين صافية كعين الديك القروي ظلت مكامنها الساحرة في ثوبها وفي ثوب أهلها الشهير الذي يصل طوله إلى 18 مترا، وتتم زخرفته بزخارف أرجوانية وزرقاء وظل وسطه مزينا بحزام مزخرف بالعملات الذهبية يطلق عليها "الشويحة"، وظل المجسم السلطي يشمخ بعيدا عن اللمسات الماكرة وعن مألوفية الكشف في اقترابه الأخاذ من الغموض الذي يحيط بكل جليل سواء سكن في المتحف أو ظل في العراء‏‏‏‏.

في العام 2008 صارت مدينة الثقافة الأردنية واحتفت بعصورها كافة بدءا بالعصر الحجري وحقبة الإسكندر المقدوني والعهود الهيلينية والبيزنطية والرومانية. ومروراً بالعهد الاسلامي لتؤكد أنها سلطية بامتياز.

سلطية:

" لا حارة ولا أكراد ولا جبل ولا واد"

‏فقديما قال الرحالة بيركهارت: تعيش عشائر السلط معاً في وفاق تام لأنها من القبائل البدويّة الاصيلة، رائيا أن السلطيين ظلوا متمسكين بالعادات كما ظلوا متمسكين بلهجتهم البدوية القحّة رغم انهم لا يرتحلون لما في أرضهم من خير،

وذكر بيركهارت أن أهالي السلط على حلف قوي مع بعض البدو في منطقة البلقاء والبلاد المحيطة بها، ولا سيما وأنهم أقوياء وشجعان ويستطيعون ملاقاة أي عدو بما لا يقل عن أربعمائة مسلَّح بالبنادق من رجالهم الأشدَّاء، علاوة على خمسين خيَّالاً مسلَّحاً بالرماح والغدرات آنذاك.

"السلط" كان يمكن أن تكون عاصمة المملكة في بدايات القرن ولكن عمان التي تبعد عنها 28 كم كانت الأوفر حظا، فظلت هي عاصمة للربيع وتحفة معمارية يتوفر فيها المرتفع وكذلك الوادي العميق وتنطوي على مناخ يتشابه مع مناخ البحر الأبيض المتوسط، خصوصا من حيث موعد سقوط الأمطار على مرتفعاتها التي تتراوح ما بين 790-1100 متر فوق مستوى سطح البحر.

يبلغ عدد سكان السلط حوالي 71100 نسمة بكثافة سكانية تبلغ 1479 نسمه/ كم2 ضمن مساحة المدينة البالغة حوالي 48 كم وقد ذكرت كتب التاريخ أنها كانت تدعى سابقا وحتى عهد قريب بالصلت وأحيانا كانت تدعى السلط. وبينت أن التسمية قد تكون مشتقة من الكلمة اللاتينية Saltus بمعنى "الوادي المشجر"، أو "الغابة الكثيفة" أو من "سلطا" السريانية بمعنى الصخر والحجر القاسي، وقد يعود اصل تسميتها إلى تسلطها على ما حولها وبروزها وارتفاعها، إضافة إلى أنها كانت تسمى "بسالتوس" نسبة إلى القائد اليوناني العظيم الذي فتحها زمن الإسكندر المقدوني.

كانت في الماضي مركزاً لأسقفية مسيحية خلال القرنين الخامس والسادس الميلاديين وكانت ذات بساتين، وتنبع من قلعتها عين كبيرة وبها ثلاثة جبال: "السلالم، و"الجدعة"، و"القلعة".

وقد شكلت شاهداً لا مثيل له على التراث العمراني، وكانت أيضا مركزاً للحاكم الإداري (القائم مقام) قبل مائتي عام، وفيها أكثر من سبعمائة مبنى تراثي يصل عمر بعضها إلى أكثر من أربعمائة عام، ويتراوح عمر بعضها الآخر بين مائة وومائتي عام، كما يتميز بعضها بطراز البناء التجاري حيث عرفت السلط كمركز تجاري لتجار بلاد الشام، كما عرفت بجملة من الأوائل: أول بلدية في الأردن هي بلديتها التي انشئت في العام 1884، وأول مدرسة ثانوية في الأردن هي مدرستها الثانوية التي بنيت في العام 1923، وشكلت قلعة معرفية وخرجت العديد من رجالات الأردن المهمين، وأول غرفة تجارة في الأردن، وأول جمعية للرفق بالحيوان، وفيها أقدم متحف في الأردن ويمثل تاريخ السلط ويحتوي على عدة اركان منها:

ركن الآثار القديمة والحلي والملابس والأدوات المنزلية القديمة، وكذلك العملة النقدية القديمة لعدة أزمنة وحضارات، وفيها مناطق أثرية وتاريخية؛ منها مقام نبي الله يوشع بن نون، وشلالات الرميمين، وحي السلط القديم، وسوق السكافية، وتحتوي كذلك على قصر أبو جابر، ويوجد فيها سلاسل جبلية جميلة يخال أنها لم تأتِ صدفة وعلى هذا التكوين.

السلط

مرتفعات سرو وسهوب للوز وعنب.

السلط

ممرات ياسمين وليمون.

السلط

بهجة المرئي وراحة المتعب إذا داعبته نسائم الندى

فراح في نوم الهناءة وهو يتفيأ حبها.


زياد العناني


تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))