أهل السلط في القرآن الكريم



قد يستغرب القارئ هذا العنوان:"أهل السلط في القرآن الكريم"! ويتساءل:هل ورد ذكر مدينة "السلط" وأهلها في القرآن الكريم؟!

للإجابة على هذا السؤال اسمحوا لي أن أدعي بأن "السلط" يحتمل بأن تكون هي "مدين" مدينة نبي الله شعيب عليه السلام الذي وردت قصته في القرآن الكريم مع قومه ومدينته "مدين" عدة مرات، وادعائي هذا ليس مبنيا على هوى وتخريص بل على أدلة وبراهين أسردها فيما يلي.

أول هذه الأدلة هو وجود قبر نبي الله شعيب عليه السلام واضحا جليا مبنيا منذ آلاف السنين وتسمية الوادي "وادي شعيب" باسمه إلى يومنا هذا، وذلك يقودنا إلى وضع هذه الفرضية: أن تكون "السلط" التي دفن على أطرافها موليا عنها بعد أن حاق عذاب الله بأهلها هي ذاتها "مدين" الواردة في القرآن الكريم،

ومن المعلوم أن السلط هي مدينة من مدن الأنبياء، ففيها مقامات الأنبياء يوشع بن نون في طف يوشع، وحزير شقيق سيدنا يوسف قرب عين حزير، وجاد جادور من أنبياء بني إسرائيل في تل الجادور، و أيوب في الطريق إلى عيرا ويرقا، عليهم الصلاة والسلام أجمعين.

ثاني هذه الأدلة هو التسمية، فالسلط كلمة أصلها يوناني هو "سالتوس" وتعني المنطقة ذات الأشجار العظيمة الكثيفة الملتفة، و"أصحاب مدين" وردوا في القرآن الكريم في بعض المواضع باسم "أصحاب الأيكة" والأيكة هي الشجرة العظيمة الملتفة خصوصا إذا كان تحتها ماء وهو وصف دقيق للسلط وطبيعتها الشجرية ماضيا وحاضرا.

وثالث هذه الأدلة ما ورد في التفاسير من اختلاف حول تحديد موقع "مدين" فمنهم من قال أنها قرب تبوك، ومنهم من حددها قرب معان، ومنهم من ذكر أنها في سيناء، ومعظمهم مع الإشارة إليها على أنها في جنوب بلاد الشام بالقرب من بحيرة لوط "البحر الميت"، وهذا الوصف أدق ما يكون لمدينة السلط لا لمعان ولا لتبوك ولا لغيرها.

ورابع هذه الأدلة هو أن الخطيئة لقوم شعيب عليه السلام هو تطفيف الكيل والميزان، مما يعني أن بلادهم كانت بلاد غلال وثمار وخير وفير، وهو ما يرجح كفة السلط على غيرها من مواقع أقرب إلى الصحراء والجفاف مثل معان أو تبوك أو سيناء.

وخامس هذا الأدلة قوله تعالى في سورة هود على لسان سيدنا شعيب عليه السلام يخاطب قومه محذرا: "وما قوم لوط منكم ببعيد"، وما أقرب بحيرة لوط إلى وادي شعيب والسلط من غيرها مما ذكر من بلدان على أطراف جزيرة العرب! وقد نص المفسرون على أن المقصود بالقرب هو القرب الزماني والمكاني أيضا.

وسادس هذه الأدلة –واسمحوا لي فيه أن أشق على قومي قليلا- هو قوله تعالى في سورة هود يسرد الحوار بين أصحاب مدين وشعيب عليه السلام: "وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك و ما أنت علينا بعزيز"، و هنا تتجلى العشائرية الواضحة التي لا زالت ظلالها السلبية –مع اعترافنا بدورها الإيجابي البناء- تشدنا إلى يومنا هذا، فتحدث من الشروخ والإشكاليات في مجتمعنا ما نتلظى بناره بين يوم وآخر. وخلاصة القول أن القناعة عندي تولدت بأن "مدين" مدينة شعيب عليه السلام هي نفسها "السلط" ذات الأيك العظيم الملتف، والتي يتفرع منها وادي شعيب عليه السلام حيث مقام نبي الله في طريقنا إلى بحيرة لوط عليه السلام غير بعيدة عنها، وهي المدينة التي اعتزت بعشائريتها منذ القدم ولا زالت إلى يومنا هذا، والله أعلم.

بقلم م. هشام خريسات
عن موقع جلعاد
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))