السلطيون سيظلون مضربا للمثل


قدّر لصاحبنا ان يرافق جاهة الى مدينة السلط لكي يطلب هو باسمها يد احدى بنات الاسر المقيمة في المنطقة المقابلة لجامعة البلقاء لأحد اقربائه، وحين وصل صاحبنا مع الركب الى المكان فوجىء بوجود صف طويل من المستقبلين للجاهة، وعلى طول حديقة منزل وقف في اوله صاحب البيت؛ الذي لا يعرفه صاحبنا وراح صاحبنا يسلم على المستقبلين حتى تعبت يده او كادت من السلام «لكثرة المستقبلين» وحين افتتحت الجلسة بدأها صاحبنا بالصلاة والسلام على رسول المحبة والانسانية الذي يتعرض الآن هو ودينه للهجوم من قبل بعض الافّاقين وشذاذ الآفاق في امريكا.. ثم رأى نفسه وقبل ان ينطق بما جاء من اجله يقول للناس المجتمعين انه كان حين يرافق والدته الى عرس ما في مدينة الرملة في اربعينيات القرن الماضي كان يسمع كلمة تتردد على السنة اهل العريس انهم انتقوا فتاة من اسرة عريقة وكانوا يتباهون بذلك.. الا ان صاحبنا سأل والدته ماذا يعني القوم بقولهم بأنها من اسرة عريقة؟ فترد امه عليه «ان الاصل يونس يا بني» ورغم انه لم يفهم ما قصدته امه.. الا ان ذلك القول ادركه بعد ان هداه الله للصلاة وقرأ القرآن وبعضا من احاديث الرسول الكريم حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في احد احاديثه الشريفة «تخيروا لنطفكم فان العرق دساس» ثم تحدث عن اول زيجة تمت بموجب شريعة الله حين اقترن آدم عليه السلام بحواء.. واذا كانت الامم والشعوب قد توالدت فيما بعد الا ان الحابل فيما يبدو قد اختلط بالنابل حتى وصل الامر الى الجزيرة العربية فاختار الله رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام ليكون هاديا ورحمة للعالمين فأنزل عليه من فوق سبع سماوات جبريل عليه السلام ليقول له ان بلغ امتك ان ربكم خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة.. فكان ذلك بمثابة توجيه رباني بشرعية الزواج القائم على المودة التي تعني الحب والرحمة التي تعني الاحتواء لتكوين اسراً خالية من الشوائب.. وهكذا استقام الامر لمحمد عليه الصلاة والسلام، فكان هذا الدخول المذهل في الاسلام وهذا الانتشار المحبب لدين الله.. ثم ان صاحبنا بعد ان انتهى من كلمته، اقترب منه احدهم وهو يقول له: انت يا رجل في موكب فرح ومع ذلك فانك ابكيت بعض الحضور حينما عرجت على ذكر امك، فقليل من الناس الا من رحم ربك هم الذين يذكرون امهاتهم مدعين بتشاغلهم في الحياة.

وفوجىء صاحبنا مرة اخرى واذا بوالد العروس الذي لم يكن يعرفه من قبل يقترب منه ويقول له: اسمح لي ان اقدمك لصاحب هذا البيت الذي نحن الآن في باحته، المحامي سعود منور العبادي، وهو جاري، جيرته السلطية وحكم الجيرة والعشرة دفعته ان يقدم لنا ساحة منزله الفسيحة لكي نستقبلكم فيها... ولم يكتف بذلك بل اشترك معي في دعوة الناس من سكان الحي للجاهة لكي يكونوا في استقبالكم فانت ترى من بينهم الجار القريب والجار البعيد وامام المسجد وغيرهم، فرأى صاحبنا نفسه يبكي مرة اخرى فسأله احدهم مالك يا رجل تبكي؟ فرد صاحبنا سأقص عليكم قصة هي امتداد لما رأيته اليوم، فنحن بعد ان هجّرنا من الرملة ووصلنا الى رام الله ومكثنا فيها اياما رأى والدي ان يلحق بشقيقه في عمان فركبنا باصا يتبع لشركة رجب خشمان وكان يقوده سائق اسمه ابو سلمى من سكان السلط وحين وصل الباص الى مشارف السلط وكانت الدنيا رمضان والتاريخ اواخر تموز عام 1948 والركاب صائمون فاقترح السائق ان يتوقف الباص امام مقهى على الطريق بحيث ينزل الركاب ويتناولون افطارهم عند أذان المغرب.. وهكذا كان، على ان الركاب حين نزلوا من الباص لقيتهم مجموعة من اهالي السلط فيما يبدو انهم كانوا ينتظرون قدوم بعض اللاجئين.. وهكذا كان الركاب جميعهم في ذلك المساء ضيوفا على موائد عائلة من عشيرة النسور فطعموا ثم شربوا وغادروا السلط والسنتهم تلهج بالشكر لهؤلاء الذين استضافوهم على غير معرفة، ثم رأى صاحبا نفسه يقول لمن تبقى من اعضاء الجاهة ان اهل السلط سابقا عن طريق عشيرة النسور ولاحقا عن طريق المحامي سعود منور العبادي قد حققوا فعلا لا قولا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الف واربعائة عام «الخير فيّ وفي امتي الى يوم القيامة»، وغادر صاحبنا السلط مع صحبه والسنتهم تلهج بالشكر لهؤلاء القوم اهلِ النخوةِ والشهامة.

فواز الدين البسومي
جريدة الدستور
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))