مدرسة السلط الثانوية أم المدارس الاردنية




على ربوة تحمل أنظار الزائر الى جبال السلالم والجدعة وشفا العامرية اختار اهالي السلط ان يخطوا أولى أبجديات العلم في الاردن، فكانت ثمرة جهودهم اقدم صروح العلم في الاردن "ام المدارس" في المملكة مدرسة السلط، وما ان تعتلي قمة تل الجادور الى الجهة الجنوبية من السلط القديمة المطلة على وادي السلط من الجنوب وعلى مدخل المدينة من الشرق وعلى الاحياء القديمة والجديدة من جميع الجهات، حتى تجد نفسك أمام هذا الصرح المكون من طابقين، وما ان تقرر الدخول حتى يجد فكرك مساحة يجول فيها في ارشيف الماضي، وتحديدا في الإرث الروماني الذي رسم على مدخل المدرسة ولم يتبق من اعمدته الا قواعد كساها السواد، وعندما تهم بتجاوز هذه المنطقة تحملك لوحات تكريمية على يسار الممر الذي يقودك الى قاعات الإدارة والغرف الصيفية، نقشت عليها اسماء من تخرجوا من هذه المدرسة وهم نخبة من الرعيل الأول الذين تركوا بصماتهم في شتى مناحي الاردنية السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية، فمنهم من شغلوا منصب رئاسة الوزراء وتقلد هذا المنصب ستة من خريجيها وعلى رأسهم بهجت التهلوني الذي شغله مرات في فترة الخمسينيات والستينيات، وتبعه سعد جمعة وهزاع المجالي ووصفي التل واحمد اللوزي وعبدالسلام المجالي وعدد اخر ممن شغلوا مناصب وزارية مختلفة ووصل عدد من تخرج منها واعتلى وزارات مختلفة الى 62 وزيرا، وهناك ممن يشغلون منصبا وزاريا في هذه الفترة أيضا، كما تخرج منها: عزمي خريسات علي الفزاع ومحمد ابو حمور وعلي يوسف النسور، ومن الرعيل الاول حابس المجالي وصلاح ابو زيد وصلاح طوقان وشفيق ارشيدات ومحمد رسول الكيلاني وابراهيم زيد الكيلاني ونذير احمد رشيد وعبدالسلام المجالي ومحمد عبدالرحمن البشير، وابراهيم الحباشنة، فرحان الشبيلات. 

أما الجهة اليمنى من جدران الممر فاحتضنت لوحتها التكريمية اسماء المديرين الذين تعاقبوا على ادارة المدرسة منذ بداية تأسيسها والذين وصل عددهم الى 43 مديرا ومنهم حسني فريز، محمد امين زيد الكيلاني، حكمت الساكت.

في حين يحتضن الممر الذي يقودك الى الغرف الصفية وتزركشت أرضيته بتشكيلات عدة، صورا توثق لأفواج الطلبة الذين تخرجوا من المدرسة منذ عام 1924 وحتى عهدنا هذا.

وفي احد اركان هذا الممر يقودك باب ضخم الى خلف المدرسة حيث غرف قديمة كانت بمثابة سكن للطلبة القادمين من محافظات مختلفة من المملكة ومن خارج حدود الاردن، وهي الآن مغلقة تحتفظ بأسرار من سكنوها طيلة سنوات دراستهم.


في حين تأخذك ادراج حديثة طمست معالم الطرقات القديمة الى مختبر الكيمياء والفيزياء اقدم مختبر في مدارس المملكة ومجهز بأقدم وأحدث التجهيزات ويتم رفده سنويا بما تتطلبه حاجات الطلاب. كما وتأخذك الادراج ذاتها الى بناء المكتبة الذي يحتضن 18000 كتاب.

ويعود تاريخ بناء المدرسة الى عام 1923، الا ان المدرسة انطلقت في التدريس في بناء مستأجر وذلك في العام 1919، وبوشر العمل في البناء الحالي بطابق ارضي عام 1921 وافتتحه جلالة المغفور له الملك المؤسس عبدالله بن الحسين في 28/12/ 1923 وبواقع 17 غرفة للادارة والتدريس، وهي اولى المدارس التي شيدت في امارة شرق الاردن آنذاك وعنها قال المغفور له جلالة الملك الحسين "فلست اعرف مدرسة ولا مؤسسة في بلدنا ارتبط تاريخها بتاريخ الوطن واتصل استمرارها ببناء الدولة وتطورها وأثر وجودها في نمو الاردن ورقيه كمدرسة السلط العريقة" لمدرسة السلط من كل مدرسة قامت بعدها تحية التقدير والوفاء ولمدينة السلط من كل مدينة وقرية اردنية تحية الاخوة والثناء".

وباشرت المدرسة بطاقمها التدريسي والهيئة الادارية مشوار الاعوام الدراسية مع بداية العام 1924، وتخرج مها 74 فوجا، وكان اول فوج في عام 1925 بلغ عددهم اربعة طلاب، وفي عام 1926 تخرج منها الفوج الثاني وعدده ثلاثة طلاب، وتوالت الافواج وفي عام 2000 تخرج منها 320 طالبا.

ويوضح سكرتير المدرسة نور الدين نصار ان المدرسة سميت عند تأسيسها بمدرسة تجهيز السلط، واحيانا مدرسة السلط التجهيزية ثم مدرسة السلط ومدرسة السلط الثانوية، كما كان لها بعض الاسماء مثل مدرسة التل نسبة الى موقعها ومدرسة الحربي تمييزا لها عن مدارس الطوائف واستقرت التسمية الحالية باسم مدرسة السلط الثانوية الشاملة للبنين. ويبين ان المغفور له جلالة الملك حسين بن طلال، امر بترميم المدرسة عندما زارها في عام 1996 ووجد ان الزمن قد غيّر معالمها واخفى نواحيها الجمالية، وتمت في تلك الفترة عملية الترميم وانتهى العمل من ترميمها وتطويرها في عام 1999 وبكلفة تقدر بمليون دينار، وادخلت مع تطويرها بعض الاضافات الجديدة وهي صالات احداهما استخدمت كمسرح اما الاخرى فما زالت غير مشغولة، وملعب منجل ومجهز بأحدث اجهزة الري، ومتحف وثائق ومدرجات واسوار، لافتا الى ان المدرسة تضم حاليا الصفين الاول والثاني الثانوي بفرعيه العلمي والادبي وعدد طلابها 755 طالبا، في حين يبلغ عدد الاداريين حاليا سبعة موظفين، اما عدد اعضاء الهيئة التدريسية فوصل الى ثلاثين معلما من ذوي الكفاءات المتميزة.

ويؤكد ان انشغاله بالمكان وعشقه لكل تفصيلاته الى جانب حبه للعمل هما الدافع الذي قاده الى ان يكون ملاصقا للمدرسة على مدار ثلاثة عشر عاما شاهد خلالها قصصا تروي تفاصيل علاقة الانسان بالمكان، وتشرح قصائد الوفاء التي نظمها من درسوا في قاعات المدرسة الصفية سواء مع من قدموا لهم ابجديات الكلمة، او لهذا الوطن وابنائه.

ويشير نصار الى ان الكثير ممن تخرجوا من هذه المدرسة يترددون على المدرسة حيث ان من ابنائها من عانده الموت في ان يكمل مسيرة الحياة، ومنهم من يقدم التبرعات باستمرار لتظل مدرسة السلط هي الرائدة في مدارس المملكة.

ويروي نصار طبيعة العلاقة التي تربط ابناء السلط بهذه المدرسة، لافتا الى ان كثيرا من أهالي الطلبة من يبذلون قصارى جهدهم من اجل ان يحتل ابن لهم مقعدا في احد صفوفها.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))