بخيت الإبراهيم .. من رجالات الوطن البناة الأوائل


لاشك أن الشيخ بخيت باشا الإبراهيم، بشخصيته المغايرة، وسيرة حياته المليئة بالأحداث المختلفة، والغنية بالإنجازات اللافتة، قد شكل حالة فريدة في التاريخ الاجتماعي والسياسي للأردن الحديث.

  لم يكن زعيماً عشائرياً أو رجل دين أو سياسياً وحسب، بل كان كل ذلك وأكثر، واستطاع أن يترك أثراً طيباً وعميقاً ليس لدى العشائر المسيحية فقط، بل كان أردنياً وطنياً بإمتياز، ولم يقتصر نشاطه على منطقة البلقاء التي ضمت السلط وعمان ومادبا وناعور، بل كان من رجالات الوطن الكبار، الذين لم يتخلوا عن دورهم في مكابدة مصاعب وعقبات مرحلة التأسيس، مدركين بوعيهم الفطري الفريد، أهمية دورهم في إيصال الأجيال القادمة إلى آفاق المستقبل المنشود، وأن يحولوا بينه وبين ما واجهوه من ظلم وشقاء كبيرين، إبان حكم الدولة العثمانية خاصة في مرحلتها الأخيرة، فزادتهم تلك الظروف القاهرة صلابة وإصراراً، على تقديم الأفضل لأبنائهم وأحفادهم ومن يأتي بعدهم، وقد تمكنوا من تحقيق ذلك بإخلاصهم وتميزهم بالعمل والفكر.

الشيخ بخيت باشا الإبراهيم السحاقات الدبابنة، كان من أبرز كوكبة رواد الوطن البناة الأبرار، وكان بحق مؤسساً في كثير من المجالات: الزراعية والدينية والعشائرية بالإضافة للجانب السياسي البارز.

  يعد من مواليد المرحلة الصعبة، التي أحاقت بها مخاطر ومظالم كبيرة، فلقد ذكر الدكتور هاني العمد الذي ترجم له في كتابه « السلط، ملامح من الحياة اليومية للمدينة « أن ولادته كانت في حدود عام 1867، وقد ولد في مدينة السلط التي كانت تعد واحدة من أكبر حواضر الأردن في تلك الفترة، وهو ينتمي إلى عشيرة السحاقات المسيحية، التي تعد فرعاً رئيسياً من عشيرة الدبابنة، وهي من العشائر الأردنية المسيحية الكبيرة، التي ضمت فروعاً عديدة،  عربية عريقة، و تعد من العشائر الغساسنة، وهي القبيلة العربية التي  هاجرت من اليمن إلى بلاد الشام، في أعقاب إنهيار سد مأرب في القرن الرابع الميلادي، وقد انتشروا في الأردن وحوران ولبنان وفلسطين، وقد كان ولا زال تاريخهم وحاضرهم مليء بالأحداث والإنجازات، وقدموا رجالاً في مختلف الميادين، مساهمين في حضارة الأمة وتقدمها.

نشأ بخيت الإبراهيم في كنف عائلته في مدينة السلط، التي كانت حاضرة البلقاء، ولم تكن أحوال الناس المعيشية جيدة، ولم تكن ظروف المدن كالسلط بأفضل حال من قرية في الأطراف اليوم، عند الحديث عن مؤسسات الدولة المدنية كالصحة والتعليم والأمن والقضاء، وغيرها من مظاهر الحياة المدنية.

  عندما بلغ بخيت الإبراهيم سناً مناسبة لتلقي العلم، التحق بالكتّاب في السلط، وفيه تعلم الكتابة والقراءة والحساب، بعض المعارف في حدود معرفة شيخ الكتّاب، الذي يدرس فيه الطلبة مسلمين ومسحيين معاً، وكان أن تلقي التعليم فيه لمدة عامين، وتلقى في هذه المدة تعليماً مكثفاً يعادل مرحلة تعليمية كاملة، فبعد أن تخرج من الكتّاب واجه الحياة بكل تفاصيلها وتعقيداتها، وكان صغيراً لكنه تصرف دائماً كرجل، مثل أطفال تلك المرحلة في شرق الأردن، وكان متديناً دون تعصب، وتلقى على ما يبدو معرفة جيدة بالدين، فقد كان له مساهمات واضحة في هذا المجال فيما بعد سجلها التاريخ له.

كان جزء من عشيرة الدبابنة تسكن بلدة ناعور، ولهم فيها أراضٍ زراعية كثيرة، وقد عمل بخيت الإبراهيم في مستهل حياته العملية، مشرفاً على الأراضي الزراعية في بلدة ناعور، واستقر فيها دون أن يغادر السلط مغادرة تامة، بل بقي يتنقل بينهما، حيث السلط على مرمى البصر من ناعور، وخلال هذه الفترة نشط الإبراهيم اجتماعياً، خاصة في المجالين العشائري والديني، حيث لمع اسمه داخل السلط ومحيطها، واسهم وهو ما زال شاباً يافعاً في حل عدد من المشاكل، وشارك في كثير من الأنشطة ذات الصبغة السياسية، حيث لفت النظر نحوه، فكان ذكياً ولماحاً، جريئاً وصاحب موقف وطني ثابت، هذا ما جعله يتقدم سريعاً ليصبح واحداً من الزعماء العشائريين، ووجهاء منطقة البلقاء المترامية الأطراف.

في مجال جهوده المبذولة في المجال الديني، برز من خلال دوره الرئيسي في تأسيس مذهب الروم الكاثوليك في السلط، ولم يكتف بذلك الدور التنويري، بل عمل على المساهمة في بناء الكنيسة الخاصة بهذا المذهب، وقد وضعه هذا العمل، في مكانة مقدرة لدى الناس، واكتسب محبة صادقة تزايدت بتزايد سنوات عمره، حيث عمل بالإضافة إلى ذلك عضواً في مجلس إدارتها، ونظراً لما تمتع به من خبرة واسعة، خاصة في مجال الأراضي والأعمال الزراعية، كان يتم اختياره وتكليفه بالتفتيش على الأراضي الزراعية الواسعة، وهذا العمل تطلب منه التنقل والحركة المتواصلة، تنقل خلالها على فرسه بين السلط وناعور وغيرهما من المناطق والبلدات، مما ساعده على توثيق علاقته بالمزارعين وأصحاب الأراضي، كما عمل على تمتين علاقته مع زعماء ووجهاء العشائر، فكان مقرباً من الناس من مختلف الفئات، وبمستوياتهم المختلفة.

تميز بخيت الإبراهيم بخبرته في مجال تخمين قيمة الضريبة على الأراضي الزراعية، لذا كثيراً ما يتم انتخابه في مجال التخمين الضريبي على الأرضي الزراعية والتجارية، ولعل هذه الأعمال المختلفة التي تميز بها، قد حققت له شهرة كبيرة ومكانة اجتماعية في أكثر من مكان. وقد تزوج بخيت بفتاة من آل المعشر، حيث نتج عن هذا الزواج من الأبناء: سليم الذي لمع في مجال العمل السياسي، وشارك في عدة أحزاب سياسية وطنية، وكان نائباً وعيناً ووزيراً، وسليمان الذي عمل مديراً في البريد والتفتيش، والياس الذي عمل في التجارة، أما نجيب فكان موظفاً في دائرة الأراضي، ومن ثم عمل في البنك العربي، وفي عام 1950 أسس مطحنة وعمل على تطورها، وأشرف على إدارتها.

  خاض الإبراهيم انتخابات أول مجلس تشريعي أردني، وقد تمكن من تحقيق الفوز عن لواء البلقاء، وقد انعقد هذا المجلس بتاريخ 20 / 4 / 1929، وكشف فوزه بهذه الانتخابات، عن حجم المكانة التي حظي بها بين الناس، وحبهم له نظراً لمصداقيته العالية، وعمله على خدمة ناسه ووطنه. وفي المجلس كان له مواقف مشهودة، حيث عارض المعاهدة الأردنية البريطانية، وقد حل هذا المجلس بسبب معارضة عدد من النواب لوجود مخصصات إضافية على موازنة 1930 / 1931.

 وكانتعائلة بخيت الإبراهيم  انتقلت  من السلط، لتستقر بشكل دائم في بلدة ناعور عام 1932، حيث أشرفوا على أراضيهم الزراعية، وكان لهم حضورهم المميز في ناعور، ولم تنقطع صلتهم بالسلط في مرحلة من المراحل.

كان بخيت الإبراهيم معروف بأنه صاحب رأي ثاقب وجريء، ومحبوباً ومميزاً بحسن أخلاقه، والتزامه الديني والوطني، ودفاعه عن الضعفاء والمحتاجين، وانحيازه الدائم للمزارعين، حيث كان محباً للأرض، ومقدراً لقيمتها التي لا تقدر بثمن، والانتماء لها هو انتماء للوطن والمستقبل المشرق، فكان من رجالات الوطن البناة الأوائل، الذين لم ينتظروا ثمناً لعملهم، فقد استمر الإبراهيم على نهجه، ولم يحد عنه لمصلحة أو غاية، ولم يبدل مسار حياته الذي نشأ وشب عليه، فهو لم يميز بين فقير أو غني، ولم يتعصب لعرق أو فئة أو طائفة، فأحبه كل من عرفه أو عمل معه.

تميز بخيت باشا الإبراهيم بعلاقاته وصدقاته العميقة والراسخة، فمن أصدقائه في مدينة السلط: يوسف السكر، نمر الحمود العربيات، محمد الحسين العواملة، إسماعيل العطيات وسعيد الصليبي وغيرهم، ومن عمان: عبد الرحمن ماضي، خيرو ديرانية، عبد الرحمن خليفة، رياض المفلح وغيرهم، ولم تقف علاقاته وصدقاته عند هذا الحد، بل شملت معارف وأصدقاء من شمال الوطن حتى جنوبه، وبقي ناشطاً دائم الحركة والعمل، حتى توفي فجأة في العاشر من كانون الثاني عام 1952، وقد شيع جثمانه إلى مثواه الأخير في مقبرة المصدار بعمان، وشارك في وداعه خيرة رجالات الأردن، ومواكب ممن أحبوه بصدق، بالإضافة لمسؤولين كبار في الديوان الملكي ورئاسة الوزراء ووزراء ونواب وأعيان.   
خاض الإبراهيم انتخابات أول مجلس تشريعي أردني، وقد تمكن من تحقيق الفوز عن لواء البلقاء،   انعقد   المجلس في نيسان 1929، وكشف فوزه بهذه الانتخابات، عن حجم المكانة التي حظي بها بين الناس، وحبهم له نظراً لمصداقيته العالية، وعمله على خدمة ناسه ووطنه. وفي المجلس كان له مواقف مشهودة، حيث عارض المعاهدة الأردنية البريطانية، وقد حل هذا المجلس بسبب معارضة عدد من النواب لوجود مخصصات إضافية على موازنة 1930 / 1931.
 وكانت انتقلت عائلة بخيت الإبراهيم من السلط، لتستقر  في   ناعور عام 1932،   وأشرفوا على أراضيهم الزراعية، وكان لهم حضورهم المميز في ناعور.
تعليقات (فيس بوك)
0تعليقات (بلوجر)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))